قالوا: ووجه ذلك أن الفعل الخارق للعادة إذا علم أنه من قبل الله تعالى وأنه خارق للعادة، وأنه سبحانه فعله عند دعوى الرسالة والطلب وعند قول جار مجرى الطلب إما معينا وإما غير معين من المعجزات وأنه متعلق بالدعوى ومطابق لها وأن الله تعالى سامع لدعوى النبوة عليه وعالم بها في مواضعة أهل لغة الرسول ثم فعل ما يدعيه الرسول أنه ليس من فعله علم أنه قاصد بذلك إلى تصديقه، وأن ما يفعله من الآيات في مثل هذه الحال قائم مقام تصديقه له بالقول صدق أنا أرسلته على وجه يفهم الأمة التي يدعي فيها النبوة أنه قول صدق به من قبله، بل التصديق له بالفعل أبعد من دخول الشبهة والاحتمال فيه وهو جار مجرى قول مدعي الرسالة على زيد إن كنت رسولك وصاحبك فاكتب بذلك رقعة أو اركب أو قم أو اقعد، وما جرى مجرى ذلك من الأفعال الظاهرة للحواس التي يعلم تصديقه بها إذا فعلها فإذا فعل زيد ذلك قام مقام قوله صدق هو رسولي وصاحبي الذي يعلم ضرورة قصده إلى تصديقه به وهذا واجب لا محال، قالوا ليس يمكن أن تدل المعجزات على صدق الرسل إلا على هذه الطريقة فهي كذلك جارية مجرى أدلة الأقوال.
هذا حاصل كلام القاضي أبي بكر بن الباقلاني في أحد قوليه وأبي المعالي ونحوهما وضربوا لذلك مثلا فقالوا: إذا تصدى ملك للناس وتصدر لتلج عليه رعيته وأتباعه وغيره واحتفل المجلس واحتشد وقد أرهف الناس شغل شاغل فلما أخذ كل مجلسه وترتب الناس على مراتبهم انتصب واحد من خواص الناس وقال:
معاشر الأشهاد قد حدث بكم أمر عظيم وأظلكم خطب جسيم وأنا رسول الملك إليكم، ومؤتمنه لديكم، ورقيبه عليكم، ودعواي هذه بمرأى من الملك ومسمع فإن كنت أيها الملك صادقا في دعواي، فخالف عادتك، وجانب سجيتك، وانتصب في خدرك قائما ثم اقعد، ففعل الملك ذلك على وفق دعواه وموافقة هواه فيتيقن الحاضرون علم الضرورة بتصديق الملك إياه، وتنزيل الفعل الصادر منه منزلة القول المصرح بالتصديق.
فهذا العمدة في ضرب المثال فإن تعسف متعسف في الصورة التي فرضنا الكلام فيها وزعم أنه لا يحصل العلم بتصديق الملك لمن يدعي الرسالة كان ذلك جحدا منه لما علم اضطرارا فإنا نعلم ببديهة العقول عند ما قدمناه من القرائن حالا ومقالا أن أحدا من الذي شهدوا وشاهدوا لا يستريب في تصديق الملك لمدعي الرسالة، ولا يعرض أحد منهم بعد ظهور الأمارات على تشكيك النفس وترديد القول ولا تحوجهم قضية الحال إلى سبر ونظر وإطالة فكر بل يستوي النظار الذين لا خبرة لهم في النظر.