للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يتم، فكيف إذا لم تقرر مقدماته بل ولا تثبت ونحن نزيد على ما ذكره على وجه تقريره.

فأما قوله: (فالدليل على وجوده الممكنات لاستحالة وجودها بنفسها، واستحالة وجودها بممكن آخر ضرورة استغناء المعلول بعلته عن كل ما سواه وافتقار الممكن إلى علته)؛ فهذا الدليل مبني على مقدمتين:

إحداهما: أن الممكنات موجودة.

والثانية: أن الممكن لا يوجد إلا بواجب الوجود.

والمقدمة الأولى لم يقررها بحال ولا يمكن أن يسلك في ذلك طريقة ابن سينا «١»، وأمثاله من المتفلسفة الذين قالوا: نفس الوجود يشهد بوجود واجب الوجود «٢»، فإن الوجود إما ممكن وإما واجب والممكن مستلزم للواجب فثبت وجود الواجب على هذا التقرير.

فإن هذه الطريقة وإن كانت صحيحة بلا ريب لكن نتيجتها إثبات وجود واجب، وهذا لم ينازع فيه أحد من العقلاء المعتبرين ولا هو من المطالب العالية، ولا فيه إثبات الخالق ولا إثبات وجود واجب أبدع السموات والأرض كما يسلمه الإلهيون من الفلاسفة كأرسطو وأتباعه المشائين، وإنما فيه أن الوجود وجود واجب، وهذا يسلمه منكروا الصانع كفرعون والدهرية المحضة من الفلاسفة والقرامطة «٣» ونحوهم ويقولون إن هذا الوجود واجب الوجود بنفسه وإلى هذا يؤول أهل الوحدة القائلين بأن الوجود واحد فإنهم يقولون في آخر الأمر: ما ثم موجود مباين للسماوات والأرض، وما ثم غير وجود الموجود الممكن.


(١) هو الفيلسوف أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا البلخي ثم البخاري صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق، ولد في صفر سنة سبعين وثلاث مائة، وتوفي في رمضان سنة ثمان وعشرين وأربع مائة.
انظر ترجمته في السير (١٧/ ٥٣١) والبداية والنهاية (١٢/ ٤٢، ٤٣) ولسان الميزان (٢/ ٢٩١ - ٢٩٣) وشذرات الذهب (٣/ ٢٣٤ - ٢٣٧).
(٢) تقدم تعريفه.
(٣) القرامطة حركة باطنية هدّامة تنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث ويلقب بقرمط لقصر قامته وساقيه وهو من خوزستان في الأهواز ثم رحل إلى الكوفة، وقد اعتمدت هذه الحركة التنظيم السري العسكري وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد والإباحية وهدم الأخلاق والقضاء على الدولة الإسلامية.

<<  <   >  >>