لم يجز عليه التفرق، وواجب الوجود بنفسه لا يكون مفتقرا إلى شيء خارج عن نفسه لأن ذلك جمع بين النقيضين، ولا ريب أن مثبتة الصفات ليس فيهم بل ولا في سائر فرق الأمة من يثبت هذا التركيب في حق الله تعالى، ولكن المتفلسفة يسمون الموصوف مركبا ويسمون الصفات أجزاء فيقولون الإنسان مركب من الحيوانية والناطقية، والنوع مركب من الجنس والفصل، فإما أن يريدوا بالحيوانية والناطقية جوهرا أو عرضا، فإن أرادوا بها جوهرا وهو الحيوان والناطق فالحيوان والناطق هما الإنسان وليس الجوهر الذي هو الإنسان ولا هو غير الجوهر الذي هو حيوان ناطق، لكن الذهن يجرد هذه المعاني في الذهن فيتصور الناطق مطلقا والحيوان مطلقا والإنسان مطلقا لكن تجريد الذهن لها لا يقتضي أن يكون في الخارج ثلاثة جواهر والعلم بهذا ضروري، وإن قيل إنه مركب من الحيوانية والناطقية وهما عرضان فالعرض لا يقوم إلا بالجوهر والحيوانية والناطقية صفة الإنسان، فكيف يكون الجوهر مركبا من صفاته، وصفاته لا قيام لها إلا به وهي مفتقرة إليه.
وإذا قالوا: لو سمينا هذا تركيبا، لم ننازع في الألفاظ نزاعا لا فائدة فيه نقول: كل موجود فلا بد أن يكون مركبا بهذا الاعتبار فإن وجود ذات عارية عن جميع الصفات ممتنع، ووجود موجود مطلق لا يتعين ولا له حقيقة يختص بها عن سائر الحقائق ممتنع وكل ما اختص وتميز عن غيره فلا بد له من خاصة وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع، ولسنا محتاجين هنا إلى إثبات وجوب مثل هذا، بل يكفي أن نقول لا نسلم امتناع مثل هذا المعنى الذي سميتموه تركيبا، وكثير من المتكلمين لا يسمون الاتصاف تركيبا بل يسمون التقدير تركيبا لأن المقدر مركب من الأجزاء الفردة أو من المادة والصورة، وهذا أيضا فيه نزاع فطوائف من أهل الكلام كالهشامية والضرارية والنجارية والكلابية يقولون: ليس بمركب بحال، ومن قال إنه مركب قال لا يمكن وجود أجزائه وحينئذ فيقال لهم كما قيل للمتفلسفة وهم يسمون نفي مثل هذا التركيب توحيدا ويدخلون في ذلك نفي الصفات فيجعلون نفي علم الله وقدرته وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفاته من التوحيد، ويسمون أنفسهم الموحدين كما يدعي المعتزلة إنهم أهل التوحيد والعدل، ويعنون بالتوحيد نفي الصفات.
ولما كان أبو عبد الله محمد بن التومرت على مذهب المعتزلة في نفي الصفات لقب أصحابه بالموحدين، وقد صرح في كتابه الكبير بنفي الصفات ولهذا لم يذكر في مرشدته شيئا من الصفات الثبوتية، لا علم الله ولا قدرته ولا كلامه