للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفصل الرابع: أنه غير بائن منه فإن الجهمية وأتباعهم من المعتزلة قالوا: إن القرآن بائن من الله وكذلك سائر كلامه، وزعموا أن الله خلق كلاما في الشجرة فسمعه موسى، وخلق كلاما في الهواء فسمعه جبريل، ولا يصح عندهم أنه وجد من الله كلام يقوم به في الحقيقة.

وقال أهل الجماعة: بل القرآن غير بائن من الله وإنما هو موجود منه وقائم به.

وذكر محمد بن الهيصم في مسألة الإرادة والخلق والمخلوق وغير ذلك ما يوافق التي ليست أعيانها قديمة ولا مخلوقة، وهو يحكي ذلك عن أهل الجماعة.

وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه المعروف بنقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد قال: وادعى المعارض أن قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يمضي من الليل الثلث، فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من داع؟» «١».

قال: فادعى المعارض أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته وهو على العرش وكل مكان من غير زوال لأنه الحي القيوم، والقيوم بزعمه من لا يزول.

قال: فيقال لهذا المعارض: وهذا أيضا من حجج النساء والصبيان ومن ليس عنده بيان، ولا لمذهبه برهان لأن أمر الله ورحمته تنزل في كل ساعة ووقت وأوان، فما بال النبيّ صلى الله عليه وسلم يحد لنزوله الليل دون النهار، ويوقت في الليل شطره أو الأسحار أفأمره ورحمته تدعوان العباد إلى الاستغفار؟ أو يقدر الأمر والرحمة أن يتكلما دونه؟ فيقولا: «هل من داع فأجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟» فإن قررت مذهبك لزمك أن تدعي أن الرحمة والأمر هما اللذان يدعوان إلى الإجابة والاستغفار بكلامهما دون الله وهذا محال عند السفهاء فكيف عند الفقهاء.

وقد علمتم ذاك ولكن تكابرون، ما بال أمره ورحمته ينزلان من عنده شطر الليل ثم لا يمكثان إلى طلوع الفجر ثم يرفعان لأن رفاعة يرويه ويقول في حديثه


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (١/ ٢٨٩ و٤/ ١٩٠ و٤٧٩) ومسلم في صحيحه (٢/ ١٧٥) ومالك في الموطأ (١/ ٢١٤/ ٣٠) وأبو داود في سننه برقم (١٣١٥) والترمذي في سننه (٢/ ٢٦٣) وابن ماجه في سننه برقم (١٣٦٦) والدارمي في سننه (١/ ٣٤٧) وأحمد في المسند (٢/ ٢٦٤ و٢٦٧ و٤٨٧) والبيهقي في سننه (٣/ ٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>