للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرَّحْمَةَ «١» قال تعالى: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ «٢» وإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «٣».

قال: عمد المعارض إلى هذه الصفات فنسقها ونظم بعضها إلى بعض كما نظمها شيئا بعد شيء ثم قررها أبوابا في كتاب وتلطف بردها بالتأويل كتلطف الجهمية معتمدا على الرابع الجهمي بشر بن غياث المريسي عند الجهال بالتشنيع بها على قوم يؤمنون بالله ويصدقون بالله ورسوله فيها بغير تكييف ولا تمثيل، فزعم أن هؤلاء المؤمنين بها يكيفونها وينسبونها بذوات أنفسهم، وأن العلماء بزعمه قالوا ليس في شيء منها اجتهاد رأي لندرك كيفية ذلك أو يشبه فيها شيء مما هو في الخلق موجود.

قال: وهذا خطأ، كما أن الله ليس كمثله شيء فكذلك ليس ككيفيته شيء.

قال أبو سعيد عثمان بن سعيد: فقلنا لهذا المعارض المدلس بالتشنيع أن قوله: كيفية هذه الصفات وتشبيهها مما هو في الخلق خطأ، فإنا لا نقول إنه خطأ كما قلت بل هو عندنا كفر، ونحن لكيفيتها وتشبيهها بما هو في الخلق موجود أشد أنفا منكم غير أنّا كما لا نشبهها ولا نكيفيها لا نكفر بها ولا نكذبها ولا نبطلها بتأويل الضّلّال كما أبطلها إمامك المريسي.

قال: وأما ما ذكرت من اجتهاد الرأي في تكييف صفات الله فإنا نجيز اجتهاد الرأي في كثير من الفرائض والأحكام التي نراها بأعيننا ونسمعها بآذاننا فكيف في صفات الله التي لم ترها العيون وقصرت عنها الظنون؟ غير أنا لا نقول فيها كما قال المريسي: إن هذه الصفات كلها شيء واحد وليس السمع منه غير البصر، ولا الوجه منه غير اليد، ولا الذات غير النفس، وإن الرحمن ليس يعرف- بزعمكم- لنفسه سمعا من بصر، ولا بصرا من سمع، ولا وجها من يدين، ولا يدين من وجه، وهو كله- بزعمكم- سمع وبصر ووجه، وأعلى وأسفل ويد ونفس وعلم ومشيئة وإرادة، مثل خلق السموات والأرض والجبال والتلال والهواء التي لا يعرف لشيء منها شيء من هذه الصفات والذوات، ولا يوقف لها منها على شيء فالله تعالى عندنا أن يكون كذلك فقد ميز الله تعالى في كتابه السمع من البصر، وذكر


(١) سورة الأنعام، الآية: ٥٤.
(٢) سورة المائدة، الآية: ١١٦.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢٢٢.

<<  <   >  >>