للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لزومه له ووجوبه به ونحن لا نتصور في الموجودات شيئا صدر عنه وحده شيء منفصل عنه كان لازما له قبل هذا الوجه بل ما لزمه وحده كان صفة له إما أن يكون اللازم للملزوم وحده شيئا منفصلا عنه فهذا بيان غير معقول ومعروف فهذا الصدور الذي ذكرته غير معروف.

فقولك في هذه القضية الكلية للواحد لا يصدر عنه إلا واحد يقتضي الحكم على كل ما يتصور أنه واحد بأنه لا يصدر عنه إلا واحد فإذا لم يتصور هذا الصدور ولا يعلم صدق هذا السلب في صورة معينة من صور هذه القضية الكلية فمن أين تعلم هذه القضية الكلية؟

وإذا استدلوا على ذلك بالنار التي لا يصدر عنها إلا الإحراق وبسائر الأجسام البسيطة كالماء أو بالشمس التي يصدر عنها الشعاع؛ لم يكن شيء من هذه المعينات داخلا في قضيتهم الكلية؛ فإن الإحراق لا يصدر عن النار وحدها، بل لا بد من محل قابل للإحراق ولهذا لا يصدر عنها الإحراق في السمندل والياقوت، ونحوهما من الأجسام التي لا تقبل الإحراق، وكذلك المبردات.

ثم إن الإحراق له موانع تمنعه فهو موقوف على ثبوت شروط وانتفاء موانع غير النار فلم يصر صادرا عن النار بالمعنى الذي أرادوه بالحجة وهو لزومه لذات النار بحيث لا ينفك عنها.

وإنما يعقل هذا اللزوم في صفات الملزوم كاستدارة الشمس والضوء القائم بها ونحو ذلك، فإن هذا لازم لا يفارق ذاتها بخلاف الضوء القائم بما يقابلها من الأجسام وهو الشعاع المنعكس على الأجسام المسطحة كالأرض والقائمة كأشخاص الجبال والحيوان والنبات والحيطان، فإن هذا ليس لازما لذات الشمس بل هو موقوف على وجود هذه الحال التي يقوم بها هذا العرض.

وهو أيضا ممنوع عنها بالحجب كالسحاب الكثيف والكسوف وغير ذلك وهذا الشعاع كالظل يكون بسبب الحجاب بينها وبين ما يظله الحجاب فيوجد تارة ويعدم أخرى ولهذا يوجد الليل تارة والنهار أخرى.

فهذا بيان أن ما قدروه من الواحد ومن الصدور عنه أمر لا يعقل في الخارج أصلا فضلا عن أن يكون قضية كلية عامة، وأما إذا قدروا واحدا يفرضونه في أنفسهم وصدورا يفرضونه في أنفسهم فلا ريب أن هذا ملازمة حكم يكون في أنفسهم لكن لا يعلم أنه مطابق للخارج حتى يعلم أن هذا الواجب الوجود هو هذا الواحد وأن إبداعه للعالم هو هذا الصدور ولو علموا ذلك لم يحتاجوا إلى هذا القياس.

<<  <   >  >>