للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَهَارَةَ الْحَدَثِ مَخْصُوصَةٌ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ وَإِنْ أَمْكَنَتِ النطافة بِغَيْرِهِ، وَأَنَّ التَّيَمُّمَ -وَلَيْسَتْ فِيهِ نَظَافَةٌ حِسِّيَّةٌ- يَقُومُ١ مَقَامَ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ؛ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ٢، وَغَيْرِهِمَا؛ وَإِنَّمَا فَهِمْنَا مِنْ حِكْمَةِ التَّعَبُّدِ الْعَامَّةِ٣ الِانْقِيَادَ لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِفْرَادِهِ بِالْخُضُوعِ، وَالتَّعْظِيمِ لِجَلَالِهِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ٤ لَا يُعْطِي عِلَّةً خَاصَّةً يُفهم مِنْهَا حُكْمٌ خَاصٌّ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ؛ لَمْ يُحَدَّ لَنَا أَمْرٌ مَخْصُوصٌ، بَلْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِمُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ بِمَا حُدَّ وَمَا لَمْ يُحَدَّ، ولكان المخالف لما حد غير ملوم إذا كَانَ التَّعْظِيمُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ الْمُطَابِقِ لِنِيَّتِهِ حَاصِلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ، فَعَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ الْمَقْصُودَ الشَّرْعِيَّ الْأَوَّلَ التَّعَبُّدُ لِلَّهِ بِذَلِكَ الْمَحْدُودِ، وَأَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ شَرْعًا.

وَالثَّانِي:

أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ التَّوْسِعَةَ فِي وُجُوهِ التَّعَبُّدِ بِمَا حُدَّ وَمَا لَمْ يُحَدَّ؛ لَنَصَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ دَلِيلًا وَاضِحًا، كَمَا نَصَبَ عَلَى التَّوْسِعَةِ فِي وُجُوهِ الْعَادَاتِ أَدِلَّةً٥ لَا يُوقَفُ مَعَهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ دُونَ مَا شَابَهَهُ وَقَارَبَهُ وَجَامَعَهُ فِي الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنَ الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، ولكان ٦ ذلك يتسع في أبواب


١ أي: حيث لا يقوم الماء الطاهر غير المطهر الذي هو منقىً من كل أثر. "د".
٢ أي: فهما من الأمور المحدودة التي لا يفهم تحديدها من غير الشرع، ولا يستقل العقل بإدراك حدودها وحكمها. "د".
٣ في نسخة "ماء/ ص٢١٦" بدل "العامة كلمة "بالجميع".
٤ في نسخة ماء / ص٢١٦": "والتوجه إليه، لا غير ذلك؛ لأن هذا المقدار.....".
٥ كما في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ " إلى أن قال: "أجتهد رأيي ولا آلو"، فأقره على الاجتهاد برأيه في القضاء فيما لا نص فيه إذا جامع ما نص عليه في المعنى المفهوم منه". "د".
قلت: والحديث ضعيف، وسيأتي عند المصنف "٤/ ٢٩٨" وتخريجه هناك.
٦ مرتب على قوله: "لنصب"؛ أي: ولو نصب الأدلة لاتسع الأمر في العبادات، وقوله: ولما لم نجد.... إلخ" أي: ولما لم تقم الأدلة على التوسعة فيها، ولا وجدت فيها التوسعة؛ دل على المطلوب. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>