للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانظر في مسألة "العتبية"١ فأرى أَنَّ اخْتِلَافَ مَالِكٍ وَشَيْخِهِ فِيهَا إِنَّمَا يَتَنَزَّلُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ.

وَمِمَّا يُشْكِلُ مِنْ هَذَا النَّمَطِ التَّعَبُّدُ بِقَصْدِ تَجْرِيدِ النَّفْسِ بِالْعَمَلِ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى عَالَمِ الْأَرْوَاحِ، وَرُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ، وَنَيْلِ الْكَرَامَاتِ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى غَرَائِبِ الْعُلُومِ وَالْعَوَالِمِ الرُّوحَانِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ قَصْدَ مِثْلِ هَذَا بِالتَّعَبُّدِ جَائِزٌ وَسَائِغٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ رَاجِعٌ إِلَى طَلَبِ نَيْلِ دَرَجَةِ الْوِلَايَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ خَوَاصِّ اللَّهِ وَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ مِنَ النَّاسِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي الطَّلَبِ مَقْصُودٌ فِي الشَّرْعِ التَّرَقِّي إِلَيْهِ، وَدَلِيلُ الْجَوَازِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَمْثِلَةِ قَبْلَ هَذَا، وَلَا فرق، وقد يقال: إنه خارج عن نمظ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ تَخَرُّصٌ عَلَى عِلْمِ الْغَيْبِ٢، وَيَزِيدُ بِأَنَّهُ جَعَلَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَسِيلَةً إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الِانْقِطَاعِ عَنِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَصْدِ دَاخِلٌ بِوَجْهٍ مَا تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْف} الْآيَةَ [الْحَجِّ: ١١] .

كَذَلِكَ هَذَا إِنْ وَصَلَ إِلَى مَا طَلَبَ فَرِحَ بِهِ، وَصَارَ هُوَ قَصْدُهُ مِنَ التَّعَبُّدِ؛ فَقَوِيَ فِي نَفْسِهِ مَقْصُودُهُ وَضَعُفَتِ الْعِبَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ رَمَى بِالْعِبَادَةِ، وَرُبَّمَا كَذَّبَ بِنَتَائِجِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَهَبُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ، وَقَدْ رُوِيَ أن


١ المتقدمة "٢/ ٣٦١"، وانظرها في "البيان والتحصيل" "١/ ٤٩٨".
٢ خرق العادة باطلاع أحد الأصفياء على بعض المغيبات هو من الجائزات الداخلة تحت متعلق القدرة، ولكن الناس أكثروا من دعوى وقوعها، وتسارعوا إلى تصديق من يزعم أنه حظي بها أو يحكيها عن غيره، مع أن العناية بهذا الشأن لا تعود على الأفراد ولا الجماعات بفائدة ذات بال، وقد تعدى بعضهم في هذا الأمر حتى ادعى العلم بما ورد الحديث الصحيح مصرحا بأن معرفته تختص بالخالق، وهي الخمس المشار إليها في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: ٣٤] . "خ".

<<  <  ج: ص:  >  >>