للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا:

أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا دَاعِيَةَ لَهُ تَقْتَضِيهِ، وَلَا مُوجِبَ يُقَدَّرُ لِأَجْلِهِ؛ كَالنَّوَازِلِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً ثُمَّ سُكِتَ عَنْهَا مَعَ وُجُودِهَا، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَاحْتَاجَ أَهْلُ الشَّرِيعَةِ إِلَى النَّظَرِ فِيهَا وَإِجْرَائِهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُلِّيَّاتِهَا، وَمَا أَحْدَثَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا الْقِسْمِ؛ كَجَمْعِ الْمُصْحَفِ، وَتَدْوِينِ الْعِلْمِ، وَتَضْمِينِ١ الصُّنَّاعِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ نَوَازِلِ زَمَانِهِ، وَلَا عَرَضَ لِلْعَمَلِ بِهَا مُوجِبٌ يَقْتَضِيهَا؛ فَهَذَا الْقِسْمُ جَارِيَةٌ فُرُوعُهُ عَلَى أُصُولِهِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا بِلَا إِشْكَالٍ؛ فَالْقَصْدُ الشَّرْعِيُّ فِيهَا مَعْرُوفٌ مِنَ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ٢.

وَالثَّانِي:

أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ وَمُوجِبُهُ الْمُقْتَضِي لَهُ قَائِمٌ، فَلَمْ يُقَرَّرْ فِيهِ حُكْمٌ عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؛ فَهَذَا الضَّرْبُ السُّكُوتُ فِيهِ كَالنَّصِّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ أَنْ لَا يُزَادَ فِيهِ وَلَا يُنْقَصَ٣؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِشَرْعِ الْحُكْمِ الْعَمَلِيِّ مَوْجُودًا ثُمَّ لَمْ يُشْرَعِ الْحُكْمُ دَلَالَةً٤ عَلَيْهِ؛ كَانَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا كَانَ هُنَالِكَ بِدْعَةٌ زَائِدَةٌ، وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قَصَدَهُ


١ ألم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم صناع؟ بل كان؛ فالتمثيل به غير واضح لأن الموجب إذا كان موجودا؛ فإما أن يكون قد أخذ حكما من الشارع غير ما كان جاريًا قبل، أو لا، وعلى كل؛ فهو حكم إما بإقرار ما كان موجودا أو بتعديله، فلا يظهر عده فيما نحن فيه إلا إذا كان خلا زمانه عليه السلام عما يتعلق بذلك، وهو بعيد. "د".
٢ أي: في الجهة الثالثة، وهي ما لم ينص عليه وعلم بمسلك استقرى من النصوص. "د".
٣ أي: فهو تقرير لنفس ما كان جاريًا واعتبار له، وأنت ترى أصل الكلام عامًا في العادي والعبادي، ولكنه ساق الكلام في هذا القسم مساق الخاص بقسم العبادة، وهو الذي يقال فيه: بدعة وغير بدعة. "د".
٤ في الأصل: "ولا له"، وفي "ط": "ولا نية".

<<  <  ج: ص:  >  >>