للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشارع؛ إذا فُهِمَ مِنْ قَصْدِهِ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدٍّ هُنَالِكَ، لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُ١.

وَمِثَالُ هَذَا سُجُودُ الشُّكْرِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَهُوَ الَّذِي قَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى٢ فِي "الْعُتْبِيَّةِ"٣ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ، قَالَ فِيهَا: "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ يُحِبُّهُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرًا. فَقَالَ: لَا يَفْعَلُ، لَيْسَ هَذَا مِمَّا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ. قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فِيمَا يَذْكُرُونَ سَجَدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شُكْرًا لِلَّهِ٤؛ أَفَسَمِعْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ ذَلِكَ، وَأَنَا أَرَى أَنْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مِنَ الضَّلَالِ أَنْ يَسْمَعَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ فَيَقُولَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ أَسْمَعْ لَهُ خِلَافًا. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا نَسْأَلُكَ لِنَعْلَمَ رَأْيَكَ فَنَرُدَّ ذَلِكَ بِهِ. فَقَالَ: نَأْتِيكَ بِشَيْءٍ آخَرَ أَيْضًا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنِّي: قَدْ فُتِحَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ؛ أَفَسَمِعْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا؟ إِذَا جَاءَكَ٥ مِثْلُ هَذَا مِمَّا قَدْ كَانَ فِي النَّاسِ وَجَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ لَا يُسْمَعُ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ؛ فَعَلَيْكَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ٦ لَوْ كَانَ لَذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِي قَدْ كَانَ فِيهِمْ؛ فَهَلْ سَمِعْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَجَدَ؟ فَهَذَا إِجْمَاعٌ، إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ لَا تَعْرِفُهُ فَدَعْهُ"، هَذَا تَمَامُ الرِّوَايَةِ، وقد احتوت على


١ انظر تفصيل هذا في "الاعتصام" "١/ ٣٦٠ وما بعدها، ط- رشيد رضا و١/ ٤٦٨ - ط ابن عفان".
٢ وهو الجهة الرابعة مما يعرف به مقصد الشارع. "د".
٣ "١/ ٣٩٢ - مع شرحها "البيان والتحصيل"".
٤ أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" "٢/ ٣٦٧ - ط دار الفكر"، والبيهقي في "سننه" "٢/ ٣٧١" بسند ضعيف فيه راوٍ مبهم.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "٣/ ٣٥٨/ رقم ٥٩٦٣" -ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" "٥/ ٢٨٨/ رقم ٢٨٨٢"- بإسناد منقطع.
٥ هذا إلى آخر الكلام هو الزائد عن مضمون ما أجاب به أولا، وبه يظهر قوله: "بشيء آخر لم تسمعه منه"، راجع "الاعتصام" "١/ ٤٦٨ - ط ابن عفان" في فصل: "ثم أتى بمأخذ آخر من الاستدلال ... إلخ"؛ تجد اختلافًا في اللفظ يؤدي إلى بعض الاختلاف في المعنى.
٦ كذا في "ط" و"العتبية"، وفي غيره: "لأنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>