للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي حَجِّهِ بِالنَّاسِ، وَتَسْلِيمِ الصَّحَابَةِ لَهُ فِي عُذْرِهِ الَّذِي اعْتَذَرَ بِهِ مِنْ سَدِّ الذَّرِيعَةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْرَادِهَا الَّتِي عَمِلُوا بِهَا، مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ فِيهَا إِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ خَاصَّةٌ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [الْبَقَرَةِ: ١٠٤] .

وَقَوْلِهِ: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الْأَنْعَامِ: ١٠٨] .

وَفِي الْحَدِيثِ: "مِن أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ" ١ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.

وَهِيَ أُمُورٌ خَاصَّةٌ لَا تَتَلَاقَى مَعَ مَا حَكَمُوا بِهِ إِلَّا فِي مَعْنَى سَدِّ الذَّرِيعَةِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ.

فَإِنْ قِيلَ: اقْتِنَاصُ الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ مِنَ الْوَقَائِعِ الْجُزْئِيَّةِ غَيْرُ بيِّن، مِنْ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُمْكِنُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ لَا فِي الشَّرْعِيَّاتِ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْعَقْلِيَّةَ بَسَائِطُ لَا تَقَبَلُ٢ التَّرْكِيبَ، وَمُتَّفِقَةٌ لَا تَقْبَلُ الاختلاف؛ فيحكم العقل


١ أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه، ١٠/ ٤٠٣/ رقم ٥٩٧٣"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، ١/ ٩٢/ رقم ٩٠" وغيرهما، وتتمته: "وهل يسب الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فيسب أمه".
٢ أي: بحيث لا تزيد الماهيات ولا تنقص؛ فيجب أن تكون الجزئيات فيها متفقة الأحكام؛ فالمثلان هما المشتركان في جميع الصفات النفسية التي لا تحتاج في وصف الشيء بها إلى أمر زائد عليها كالإنسانية والحقيقة والشيئية للإنسان، وتقابلها الصفات المعنوية، وهي التي تحتاج في الوصف بها إلى تعقل أمر زائد على ذات الموصوف؛ كالتحيز والحدوث للجسم، ويلزم في كل مثلين اشتراكهما فيما يجب ويمكن ويمتنع؛ فكل ما يحكم به على أحدهما يحكم به على الآخر في كل ما يرجع إلى مقتضى التماثل، أما ما يخرج عن ذلك من كل ما كان تابعًا للوجود الخارجي الزائد عن الحقيقة؛ فاختلاف المتماثلين فيه جائز؛ فيحكم على زيد بأنه طويل وجاهل، وعلى عمرو بأنه قصير وعالم مثلًا، وهكذا، وهو ما يشير إليه بقوله في الثاني: "إن الخصوصيات تستلزم من حيث الخصوص معنى زائدًا، وإذ ذاك ... إلخ"؛ فهذا جار في العقليات باعتبار الوجود الخارجي الذي فيه المعاني الخاصة. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>