للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى الْغُسْلِ مِنِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ المبين لقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [الْمَائِدَةِ: ٦] ، وَإِنْ لَمْ يُجْمِعُوا١ عَلَيْهِ؛ فَهَلْ يَكُونُ بَيَانُهُمْ حُجَّةً، أَمْ لَا؟ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَتَفْصِيلٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَرَجَّحُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمْ فِي الْبَيَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَعْرِفَتُهُمْ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ؛ فَإِنَّهُمْ عَرَبٌ فُصَحَاءُ، لَمْ تَتَغَيَّرْ أَلْسِنَتُهُمْ وَلَمْ تَنْزِلْ عَنْ رُتْبَتِهَا الْعُلْيَا فَصَاحَتُهُمْ؛ فَهُمْ أَعْرَفُ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِذَا جَاءَ عَنْهُمْ قَوْلٌ أَوْ عَمَلٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْبَيَانِ؛ صَحَّ اعْتِمَادُهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.

وَالثَّانِي: مُبَاشَرَتُهُمْ لِلْوَقَائِعِ وَالنَّوَازِلِ، وَتَنْزِيلِ الْوَحْيِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَهُمْ أَقْعَدُ فِي فَهْمِ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ٢ وَأَعْرَفُ بِأَسْبَابِ التَّنْزِيلِ، وَيُدْرِكُونَ مَا لَا يُدْرِكُهُ غَيْرُهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَالشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ.

فَمَتَى جَاءَ عَنْهُمْ تَقْيِيدُ بَعْضِ الْمُطْلَقَاتِ، أَوْ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْعُمُومَاتِ؛ فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ صَوَابٌ، وَهَذَا٣ إِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ خالف بعضهم؛ فالمسألة اجتهادية.


١ أي: بأن اختلفوا، أو بين بعضهم ولم ينقل بيان عن غيره يخالفه، وقد فصل فجعل الأول محل اجتهاد، بمعنى أنه لا يترجح الوقوف عند بيانهم لهذا الاختلاف، وجعل الثاني محل الاعتماد والترجح على بيان غيرهم. "د".
قلت: انظر في ذلك "المسودة" "ص٣١٥-٣١٧، ٣٢١"، و"البرهان" "٢/ ١٣٥٩"، و"شرح اللمع" "٢/ ٧٤٩"، و"أصول السرخسي" "٢/ ١٠٥"، و"التمهيد" "٣/ ٢١٧"، و"الإحكام" "٤/ ١٤٩" للآمدي، و"تيسير التحرير" "٣/ ١٣٢"، و"شرح تنقيح الفصول" "٤٤٥"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "٢٠/ ١٤، ٥٧٣-٥٧٦".
٢ أي: التي تجيء من جهة الحوادث والنوازل المقتضية لنزول الآية والحديث، أما القرائن المقالية؛ فيشترك فيهما معهم غيرهم من أهل الفهم في ذلك، وإن كان مقتضى الوجه الأول أن بيانهم أرجح من جهة اللغة أيضًا. "د".
٣ في "ط": "هذا" بغير واو.

<<  <  ج: ص:  >  >>