للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ هَذِهِ الصِّفَةُ وَلَيْسَ النَّاسُ فِي وَصْفِ الْعَدَالَةِ] ١ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، بَلْ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا؛ فَإِنَّا إِذَا تَأَمَّلْنَا الْعُدُولَ وَجَدْنَا لِاتِّصَافِهِمْ بِهَا طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةً: "طَرَفٌ أَعْلَى" فِي الْعَدَالَةِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ كَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، و"طرف آخَرُ" وَهُوَ أَوَّلُ دَرَجَةٍ فِي الْخُرُوجِ عَنْ مُقْتَضَى الْوَصْفِ؛ كَالْمُجَاوِزِ لِمَرْتَبَةِ الْكُفْرِ إِلَى الْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ، فَضْلًا عَنْ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ الْمَحْدُودِينَ فيها، و"بينهما" مَرَاتِبُ لَا تَنْحَصِرُ، وَهَذَا الْوَسَطُ غَامِضٌ، لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بُلُوغِ حَدِّ الْوُسْعِ، وَهُوَ الِاجْتِهَادُ.

فَهَذَا مِمَّا يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ شَاهِدٍ، كَمَا٢ إِذَا أَوْصَى بِمَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ؛ فَلَا شَكَّ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ، فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ اسْمُ الْفَقْرِ٣؛ فَهُوَ


= من ثبت له مجرد كونه مسلمًا ولم ينقض وقت ما تحقق فيه بعد من اتصافه بالعدالة المحتاج إلى مدة يعرف فيها تجاه نفسه للخير أو الشر، مثل هذا ليس بعدل؛ إلا أنه أقل درجة في الخروج عن العدالة، ويزيد عنه في الخروج عنها من حد في كبيرة.. إلخ، ولو جعل الطرف الآخر أقل من تحقق فيه العدالة، ثم جعل بينه وبين عدالة أبي بكر مراتب كثيرة؛ لكان أوضح من هذا الصنيع الموهم، فإن أحد الطرفين من العدالة، والآخر خارج، وليس هذا مألوفا في التعبير عن الوسط والطرفين؛ فقوله: "وطرف آخر"؛ أي: خارج عنها، وقوله: "غامض"؛ أي: لا سيما في تطبيق الجزء الثاني من حد العدالة وهو المروءة. "د".
قلت: وقد ناقش الصنعاني التعريف الذي ذكره الشارح لـ"العدالة"-وهو ما درج عليه الأصوليون وأصحاب المصطلح- نقاشًا قويًا في كتابه "ثمرات النظر"، انظره بتعليقنا، أما المروءة وحدها وخوارمها، فينظر "المروءة وخوارمها" بقلمي، وينظر أيضًا: "توضيح الأفكار" "٢/ ١١٩، ١٤٩"، و"الاختيارات العلمية" لابن تيمية "٣٥٦-٣٥٧"، و"الإضافة، دراسات حديثية" "ص١١-٨٦".
١ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبته من "ط" والنسخ المطبوعة.
٢ ولعله: "وكما". "ف". وأثبتها "م" بالواو.
٣ إنما يتمشى كلامه في هذا المقام على رأي المالكية، من أن الفقير هو من يملك قوت عامه، والمسكين من لا يملك شيئًا، وهذا إذا ذكرا معًا، فإذا افترقا -كما هنا- اجتمعا؛ فالفقير هنا يشملها معًا، فالصورة الأولى وهي من لا شيء له من كسب ولا مال يتحقق فيها الوصف العام؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>