للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا حَاجَةَ بِهِ وَلَا فَقْرَ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا، وَبَيْنَهُمَا وَسَائِطُ؛ كَالرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الشَّيْءُ وَلَا سَعَةَ لَهُ؛ فَيَنْظُرُ فِيهِ: هَلِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْفَقْرِ أَوْ حُكْمُ الْغِنَى؟ وَكَذَلِكَ فِي فَرْضِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْقَرَابَاتِ؛ إِذْ هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى النَّظَرِ فِي حَالِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَالْمُنْفِقِ١، وَحَالِ الْوَقْتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ بِحَصْرٍ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقَوْلِ فِي آحَادِهَا؛ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَغْنَى ههنا بِالتَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ تَحْقِيقِ مَنَاطِ الْحُكْمِ الْمُقَلَّدِ فِيهِ، وَالْمَنَاطُ هُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ؛ لِأَنَّ كُلَّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِهِ النَّازِلَةِ نَازِلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فِي نَفْسِهَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا نَظِيرٌ، وَإِنْ تَقَدَّمَ لَهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَنَا؛ فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهَا بِالِاجْتِهَادِ، وَكَذَلِكَ إِنْ فَرَضْنَا أَنَّهُ تَقَدَّمَ لَنَا مِثْلُهَا؛ فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ في كونها مثلها أولا، وَهُوَ نَظَرٌ اجْتِهَادِيٌّ٢ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيمَا فِيهِ حُكُومَةٌ مِنْ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ.

وَيَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَنُصَّ٣ عَلَى حُكْمِ كُلِّ جُزْئِيَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا، وَإِنَّمَا أَتَتْ بِأُمُورٍ كُلِّيَّةٍ وَعِبَارَاتٍ مُطْلَقَةٍ تَتَنَاوَلُ أَعْدَادًا لَا تَنْحَصِرُ، وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَلِكُلِّ مُعَيَّنٍ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِ وَلَوْ فِي نَفْسِ التَّعْيِينِ، وليس ما به


= فدخولها في الوصية ظاهر، والصورة الثانية من عنده كسب أو مال يكفيه حاجاته طول العام، وإن لم يبلغ المال نصابًا، وخروجه عن الوصية ظاهر، والصورة الثالثة من له كسب أو مال ولو كان زائدًا عن النصاب لكنه يضيق عن حاجاته؛ فهذا محل نظر؛ لأن الحاجات تختلف، فقد يعد بعض الناس فقد شيء من المعيشة ضيقًا وحرجًا، وقد لا يعده الآخر شيئًا مطلقًا ولا يخطر بباله فقده، وما جرى عليه كلامه غير ما عليه الحنفية من اعتبار النصاب وعدمه في الفقر والغنى، وهم لا يعتبرون الكسب أيضًا، والشافعية كالمالكية في اعتبار الكسب، ولكنهم ينظرون في ضابط الغنى بالمال إلى ما يكفيه عمره الغالب من تلزمه نفقته. "د".
١ النظر إلى حالهما معًا هو مذهب مالك، وقوله: "وحال الوقت" يرجع إلى ما قبله؛ لأن النظر في حالهما معتبر فيه الوقت، فليس زائدًا على ما تقرر في الفروع. "د".
٢ كذا في "ط"، وفي غيره: "اجتهاد".
٣ في "ماء": "تقضي".

<<  <  ج: ص:  >  >>