للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُمْكِنِ أَنْ يَدْعُوَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ صَلَاحٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ فَكَوْنُهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مَنْ خَلْقِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِمْ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ مَصْرُوفَةً إِلَى الْآخِرَةِ فَقَطْ، فَكَذَلِكَ دَعْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا أَمْرُ الْآخِرَةِ أَلْبَتَّةَ؛ فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَالَ هَذَا العالم.

أمر ثَالِثٌ١: وَهُوَ أَنَّا لَوْ بَنَيْنَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ٢؛ لَكُنَّا نَقُولُ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِي كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ مِنْ أَفْعَالِ الْجِبِلَّةِ الْآدَمِيَّةِ أَوْ لَا؛ إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ قَصَدَ بِهَا أُمُورًا أُخْرَوِيَّةً وَتَعَبُّدًا مَخْصُوصًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، بل كان يلزم منه أن لا يَكُونَ لَهُ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ مُخْتَصًّا٣ بِالدُّنْيَا إلا ما بَيَّنَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ إِذْ ذَاكَ كَوْنُهُ دُنْيَوِيًّا لِخَفَاءِ قَصْدِهِ فِيهِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِهِ٤، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ جِهَتَهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا؛ فَلَا يَحْصُلُ مِنْ بَيَانِ أُمُورِ الدُّنْيَا إِلَّا الْقَلِيلُ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُعْظَمُ الشَّرِيعَةِ، فَإِذَا ثبت صَحَّ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ ثَابِتٍ٥، وَأَنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلِيلَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ يَقْتَضِي أَنَّ الدَّعْوَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْأُمَّةِ؛ لِقَوْلِهِ فِيهِ:


١ هذا يصلح دليلًا لأصل الموضوع، وهو أن الصواب عدم الاعتداد بالمحتمل في الاقتداء؛ فيكون رابع الأدلة الثلاثة المتقدمة. "د".
٢ أي: المجيز للاقتداء تحسين الظن الذي بني عليه الإيثار في أمور الآخرة. "د".
٣ أي: متعينًا لها غير محتمل. "د".
٤ لعله قد سقطت هنا جملة المشبه به، والأصل: "فما بين رجوعه إلى الآخرة؛ فهو أخروي، وكذلك.... إلخ"، وقوله: "فلا يحصل ... إلخ" مبني على تمهيد مطوي، حاصله أن ما لم يبين جهته هو الغالب والكثير، وقوله: "وذلك خلاف ... إلخ" في قوة الاستثنائية القائلة: وذلك باطل. "د".
٥ طبق قوله سابقًا: "الصواب أنه غير معتدٍّ به شرعًا". "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>