للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَوْنُهُ "شَاقًّا"؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْعُذْرُ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ، مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَوْجُودَةٍ؛ فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ رُخْصَةً؛ كَشَرْعِيَّةِ الْقِرَاضِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لِعُذْرٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ عَجْزُ صَاحِبِ الْمَالِ عَنِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجُوزُ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَلَا عَجْزَ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ، وَالْقَرْضُ، والسلَم؛ فَلَا يُسَمَّى هَذَا كُلُّهُ رُخْصَةً وَإِنَّ كَانَتْ مُسْتَثْنَاةً مِنْ أَصْلٍ مَمْنُوعٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا دَاخِلًا تَحْتَ أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّاتِ، وَالْحَاجِيَّاتُ لَا تُسَمَّى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِاسْمِ الرُّخْصَةِ، وَقَدْ يَكُونُ الْعُذْرُ رَاجِعًا إِلَى أَصْلٍ تَكْمِيلِيٍّ، فَلَا يُسَمَّى رُخْصَةً أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا، أَوْ يَقْدِرُ بِمَشَقَّةٍ؛ فَمَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِ الِانْتِقَالُ إِلَى الْجُلُوسِ، وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ بِسَبَبِ الْمَشَقَّةِ اسْتُثْنِيَ فَلَمْ يَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ الْقِيَامُ؛ فَهَذَا رُخْصَةٌ مُحَقَّقَةٌ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُتَرَخِّصُ إِمَامًا؛ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ -ثُمَّ قَالَ:- وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا؛ فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ" ١؛ فَصَلَاتُهُمْ جُلُوسًا وَقَعَ لِعُذْرٍ، إِلَّا أَنَّ الْعُذْرَ فِي حَقِّهِمْ لَيْسَ الْمَشَقَّةَ، بَلْ لِطَلَبِ الْمُوَافِقَةِ٢ لِلْإِمَامِ وَعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ عَلَيْهِ؛ فَلَا يُسَمَّى مِثْلُ هَذَا رُخْصَةً، وَإِنْ كَانَ مستثنى لعذر.


١ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، ٢/ ١٧٣/ رقم ٦٨٨، وكتاب تقصير الصلاة، باب صلاة القاعد، ٢/ ٥٨٤/ رقم ١١١٣، وكتاب السهو، باب الإشارة في الصلاة، ٣/ ١٠٨/ رقم ١٢٣٦"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، ١/ ٣٠٩/ رقم ٤١٢" من حديث عائشة, رضي الله عنها.
٢ هذا هو الأصل التكميلي؛ فصلاة الإمام جالسا رخصة، وموافقتهم له ليس برخصة. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>