للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَهْيُهُ عَنِ التَّشْدِيدِ شَهِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ، بِحَيْثُ صَارَ أَصْلًا فِيهَا قَطْعِيًّا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِ الشَّارِعِ التَّشْدِيدُ عَلَى النَّفْسِ، كَانَ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ إِلَيْهِ مُضَادًّا لِمَا قَصَدَ الشَّارِعُ مِنَ التَّخْفِيفِ الْمَعْلُومِ الْمَقْطُوعِ بِهِ، فَإِذَا خَالَفَ قَصْدُهُ قَصْدَ الشَّارِعِ، بَطَلَ وَلَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَصْلٌ:

وَيَنْبَنِي أَيْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَصْلٌ آخَرُ:

وَهُوَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَأْذُونَ فِيهَا، إِمَّا وُجُوبًا، أَوْ نَدْبًا، أَوْ إِبَاحَةً، إِذَا تَسَبَّبَ عَنْهَا مَشَقَّةٌ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، أَوْ لَا تَكُونَ مُعْتَادَةً؛ فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً، فَذَلِكَ الَّذِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَتِ الْمَشَقَّةُ فِيهِ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ مِنْ جِهَةِ مَا هِيَ مَشَقَّةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً، فَهِيَ أَوْلَى أن لا تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ، وَلَا يَخْلُو عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ حَاصِلَةً بِسَبَبِ الْمُكَلَّفِ وَاخْتِيَارِهِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَا يَقْتَضِيهَا بِأَصْلِهِ، أَوْ لَا.

فَإِنْ كَانَتْ حَاصِلَةً بِسَبَبِهِ كَانَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ١ وَغَيْرَ صَحِيحٍ فِي التَّعَبُّدِ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَا يَقْصِدُ الْحَرَجَ فِيمَا أَذِنَ فيه، ومثال هذا حديث٢ الناذر للصيام


١ أي: في الأنواع الثلاثة، وقوله: غير صحيح في التعبد به" خاص بنوعي الواجب والمندوب، ولا يأتي في المباح. "د".
٢ أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي المعصية ١١/ ٥٨٦/ رقم ٦٧٠٤"، وأبو داود في "السنن" "كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية ٣/ ٢٣٥/ رقم ٣٣٠٠"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الكفارات، باب من خلط في نذره طاعة بمعصية ١/ ٦٩٠/ رقم ٢١٣٦" عن ابن عباس، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. قال: "مُرْهُ؛ فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه".

<<  <  ج: ص:  >  >>