للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُذِنَ فِي التَّحَرُّزِ مِنْهَا عِنْدَ تَوَقُّعِهَا وَإِنْ لَمْ تَقَعْ، تَكْمِلَةً لِمَقْصُودِ الْعَبْدِ، وَتَوْسِعَةً [عَلَيْهِ، وَحِفْظًا] ١ عَلَى تَكْمِيلِ الْخُلُوصِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ، وَالْقِيَامِ بِشُكْرِ النِّعَمِ.

فَمِنْ٢ ذَلِكَ الْإِذْنُ فِي دَفْعِ أَلَمِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَفِي التَّدَاوِي عِنْدَ وُقُوعِ الْأَمْرَاضِ، وَفِي التَّوَقِّي مِنْ كُلِّ مؤذٍ آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْمُتَوَقِّعَاتِ حَتَّى يُقَدِّمَ الْعُدَّةَ لَهَا، وَهَكَذَا سَائِرُ مَا يَقُومُ بِهِ عَيْشُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَجَلْبِ الْمَصَالِحِ، ثُمَّ رَتَّبَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ دَفْعَ الْمُؤْلِمَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ، وَجَلْبَ مَنَافِعِهَا بِالْتِزَامِ الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا رَتَّبَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَسَبَّبُ عَنْ أَفْعَالِهِ وَكَوْنُ هَذَا مَأْذُونًا فِيهِ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً.

إِلَّا أَنَّ هَذَا الدَّفْعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ إِنْ ثَبَتَ انْحِتَامُهُ، فَلَا إِشْكَالَ فِي عِلْمِنَا أَنَّ الشَّارِعَ قَصَدَ رَفْعَ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ، كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا دَفْعَ الْمُحَارِبِينَ، وَالسَّاعِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ بِالْفَسَادِ، وَجِهَادَ الْكُفَّارِ الْقَاصِدِينَ لِهَدْمِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ هُنَا جِهَةُ التَّسْلِيطِ وَالِابْتِلَاءِ؛ لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِإِيجَابِ الدَّفْعِ أَنَّ ذَلِكَ مُلْغًى فِي التَّكْلِيفِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي الْعَقْدِ الْإِيمَانِيِّ، كَمَا لَا تُعْتَبَرُ٣ جِهَةُ التَّكْلِيفِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ ابْتِلَاءٌ٤؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ أو معصية من جهة.


١ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
٢ كذا في "د" وفي الأصل و"ط" فأول" وفي "خ": "فإن".
٣ أي: فكما أن التكليف نفسه ابتلاء كما بينه بقوله: لأنه.... إلخ"، ولا يعتبر فيه هذا الابتلاء بل طولب المكلف بالامتثال، فكذلك هنا طولب المكلف بما يدفع هذا الابتلاء الذي ينزل به من الأمراض وغيرها، وبعبارة أخرى إذا كان ابتداء التكليف العام وأصله ابتلاء ولم يعتبر ذلك حتي يمنع توجهه للمكلفين ليعملوا على ما فيه النجاة من هذا الابتلاء، فكذا هذا التكليف الخاص المطلوب به دفع ابتلاء خاص من ألم الجوع مثلا يكون تكليفا مقبولا، ولا يعتبر الابتلاء مانعا من توجهه. "د".
٤ قال ابن العربي في "أحكام القرآن" "٢/ ٦٥٦"، "والتكليف كله ابتلاء، وإن تفاضل" في الكثرة والقلة، وتباين في الضعف والشدة".
وانظر: "تفسير القرطبي" "٦/ ٣٠٠"، والروح "١٢٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>