للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدِ، خَلْقٌ لِلرَّبِّ، فَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ فِيهِ بِحَسَبِ مَا يَخْلُقُ اللَّهُ فِي الْعَبْدِ، فَلَيْسَ لَهُ في الأصل حيلة إلا الاستلام لِأَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَكَذَلِكَ هُنَا.

وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَثْبُتِ انْحِتَامُ الدَّفْعِ١، فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ جِهَةِ التَّسْلِيطِ وَالِابْتِلَاءِ، وَأَنَّ ذَلِكَ الشَّاقَّ مُرْسَلٌ مِنَ الْمُسَلِّطِ الْمُبْلِي، فَيَسْتَسْلِمُ الْعَبْدُ لِلْقَضَاءِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا لَمْ يَكُنِ التَّدَاوِي مُحَتَّمًا٢ تَرَكَهُ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَأَذِنَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِ الْمَرَضِ، كَمَا فِي حَدِيثِ السَّوْدَاءِ الْمَجْنُونَةِ٣ الَّتِي سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا، فَخَيَّرَهَا فِي الْأَجْرِ مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى حَالَتِهَا أَوْ زَوَالِ ذَلِكَ٤، وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ: "وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" ٥.

وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ جِهَةِ الْحَظِّ بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ ويتأيَّدُ بِالنَّدْبِ، كَمَا فِي التَّدَاوِي حَيْثُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "تَدَاوَوْا، فَإِنَّ الَّذِي أنزل الداء أنزل


١ في "ط": "في الدفع"
٢ في "ط": "متحتما".
٣ كان الأولى أن يقول: التي كانت تصرع" كما هي عبارة الحديث. "د".
٤ أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب المرضى، باب فضل من يصرع من الريح، ١٠ / ١١٤/ رقم ٥٦٥٢"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن، ٤/ ١٩٩٤/ رقم ٢٥٧٦" عن ابن عباس، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك" فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف. فدعا لها. لفظ البخاري.
٥ جزء من حديث أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، ١١/ ٤٠٥-٤٠٦/ رقم ٦٥٤١، وكتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره، وفضل من لم يكتو، ١٠/ ١٥٥/ رقم ٥٧٠٥"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين بغير حساب ولا عقاب، ١/ ١٩٩/ رقم ٢٢٠" من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>