للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل للحسن: الحجّ المبرور جزاؤه الجنة. قال: آية ذلك أن يرجع زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة. وقيل له: جزاء الحجّ المغفرة. قال: آية ذلك أن يدع سيّئ، ما كان عليه من العمل. الحجّ المبرور مثل حجّ إبراهيم بن أدهم مع رفيقه الرّجل الصّالح الذي صحبه من بلخ، فرجع من حجّه زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، وخرج عن ملكه وماله وأهله وعشيرته وبلاده، واختار بلاد الغربة، وقنع بالأكل من عمل يده؛ إمّا من الحصاد، أو من نظارة البساتين.

حجّ مرّة مع جماعة من أصحابه، فشرط عليهم في ابتداء السّفر ألاّ يتكلّم أحدهم إلا لله، ولا ينظر إلا له. فلمّا وصلوا وطافوا بالبيت رأوا جماعة من أهل خراسان في الطّواف معهم غلام جميل قد فتن النّاس بالنظر إليه، فجعل إبراهيم يسارقه النظر ويبكي، فقال له بعض أصحابه: يا أبا إسحاق، ألم تقل لنا لا ننظر إلا لله؟ فقال: ويحك! هذا ولدي، وهؤلاء خدمي وحشمي، [ثم أنشد] (١):

هجرت الخلق طرّا في هواكا … وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطّعتني في الحبّ إربا … لما حنّ الفؤاد إلى سواكا

قال بعض السّلف: استلام الحجر الأسود هو أن لا يعود إلى معصية. يشير إلى ما قاله ابن عبّاس رضي الله عنهما: أنّ الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن استلمه وصافحه فكأنّما صافح الله وقبّل يمينه (٢). وقال عكرمة: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمسح الرّكن فقد بايع الله ورسوله.

وورد في حديث أنّ الله لمّا استخرج من ظهر آدم ذرّيّته وأخذ عليهم


(١) من «ص».
(٢) أورده عبد الرزاق (٥/ ٣٩) (٨٩١٩) عن جابر بن عبد الله مرفوعا، وضعّفه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٢/ ٥٧٥).

<<  <   >  >>