للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنوع الثاني: أسباب الشرّ، فلا تضاف إلاّ إلى الذّنوب؛ لأنّ جميع المصائب إنما هي بسبب الذّنوب، كما قال تعالى: {وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النّساء: ٧٩]، وقال تعالى: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشّورى: ٣٠]، ولا تضاف إلى شيء من الأسباب سوى الذنوب، كالعدوى أو غيرها. والمشروع: اجتناب ما ظهر منها واتقاؤه بقدر ما وردت به الشريعة، مثل اتقاء المجذوم والمريض، والقدوم على مكان الطاعون. وأما ما خفي منها فلا يشرع اتقاؤه واجتنابه، فإنّ ذلك من الطيرة المنهيّ عنها؛ والطيرة من أعمال أهل الشرك والكفر، وقد حكاها الله تعالى في كتابه عن قوم فرعون وقوم صالح وأصحاب القرية التي جاءها المرسلون.

وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا طيرة». وفي حديث: «من ردّته الطيرة فقد قارف الشرك» (١). وفي حديث ابن مسعود المرفوع: «الطيرة من الشّرك، وما منّا إلاّ، ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل» (٢).

والبحث عن أسباب الشرّ من النظر في النّجوم ونحوها هو من الطيرة المنهيّ عنها؛ والباحثون عن ذلك غالبا لا يشتغلون بما يدفع البلاء من الطاعات، بل يأمرون بلزوم المنزل وترك الحركة، وهذا لا يمنع نفوذ القضاء والقدر. ومنهم من يشتغل بالمعاصي، وهذا مما يقوّي وقوع البلاء ونفوذه. والذي جاءت به الشريعة هو ترك البحث عن ذلك، والإعراض عنه، والاشتغال بما يدفع


(١) أخرجه: البزار (٦/ ٣٠٠) (٢٣١٦). قال الهيثمي (٥/ ١٠٥): «وفيه سعيد بن أسد بن موسى، روى عنه أبو زرعة الرازي ولم يضعفه أحد، وشيخ البزار إبراهيم غير منسوب وبقية رجاله ثقات»، وأحمد (٢/ ٢٢٠) بلفظ «من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك»، وقال أبو حاتم في «العلل» (٢٣٤٧): «هذا حديث منكر».
(٢) أخرجه: أبو داود (٣٩١٠)، والترمذي (١٦١٤)، وابن ماجه (٣٥٣٨) وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح». وقوله: «وما منا إلا … » الراجح أنه من قول ابن مسعود مدرج.

<<  <   >  >>