للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين المتّقين والفجّار، حتى امتاز أهل اليمين من أهل اليسار، وانفتحت أقفال القلوب فانشرحت بالعلم والوقار، وزال عن الأسماع أثقال الأوقار. صلّى الله عليه وعلى آله أولي الإقدام والأقدار، وعلى أصحابه أقطاب الأقطار صلاة تبلّغهم في تلك الأوطان نهاية الأوطار، وسلم تسليما.

أما بعد، فقد قال الله عزّ وجلّ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ} [الإسراء: ١٢]. وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ} [يونس: ٥].

فأخبر سبحانه أنّه علّق معرفة السنين والحساب على تقدير القمر منازل.

وقيل: بل على جعل الشمس ضياء والقمر نورا؛ لأن حساب السّنة والشهر يعرف بالقمر، واليوم والأسبوع يعرف بالشمس، وبهما يتمّ الحساب.

وقوله تعالى: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ} لمّا كان الشهر الهلاليّ لا يحتاج إلى عدّ لتوفيته بما بين الهلالين، لم يقل لتعلموا عدد الشهور؛ فإنّ الشهر لا يحتاج إلى عده إلاّ إذا غمّ آخره، فيكمّل عدده بالاتفاق، إلاّ في شهر شعبان إذا غمّ آخره بالنّسبة إلى صوم رمضان خاصّة، فإنّ فيه اختلافا مشهورا، وأما السّنة فلا بدّ من عددها، إذ ليس لها حدّ ظاهر في السّماء فيحتاج إلى عددها بالشهور، ولا سيّما مع تطاول السنين وتعدّدها.

وجعل الله السّنة اثني عشر شهرا، كما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ} [التوبة: ٣٦] وذلك بعدد البروج التي تكمل بدور الشمس فيها السنة الشمسيّة، فإذا دار القمر فيها كلّها كملت دورته السّنويّة؛ وإنما جعل الله الاعتبار بدور القمر؛ لأن ظهوره في السماء لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب، بل هو أمر ظاهر يشاهد بالبصر، بخلاف سير الشمس؛

<<  <   >  >>