للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ} [الفيل: ١] استفهام تقرير لمن سمع هذا الخطاب، وهذا يدلّ على اشتهار ذلك بينهم ومعرفتهم به، وأنّه ممّا لا يخفى علمه عن العرب، خصوصا قريش وأهل مكّة. وهذا أمر اشتهر بينهم وتعارفوه، وقالوا فيه الأشعار السّائرة.

وقد قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت قائد الفيل وسائسه بمكّة أعميين يستطعمان.

وفي هذه القصّة ما يدلّ على تعظيم مكّة، واحترامها واحترام بيت الله الذي فيها. وولادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عقيب ذلك تدلّ على نبوّته ورسالته؛ فإنّه صلّى الله عليه وسلّم بعث بتعظيم هذا البيت وحجّه والصّلاة إليه، وكان هذا البلد هو موطنه ومولده، فاضطرّه قومه عند دعوتهم إلى الله إلى الخروج منه كرها بما نالوه منه من الأذى، ثم إنّ الله تعالى ظفّره بهم، وأدخله عليهم قهرا، فملك البلد عنوة، وملك رقاب أهله، ثمّ منّ عليهم وأطلقهم وعفا عنهم، فكان في تسليط نبيّه صلّى الله عليه وسلّم على هذا البلد وتمليكه إيّاه ولأمّته من بعده ما دلّ على صحّة نبوّته، فإنّ الله حبس عنه من يريده بالأذى وأهلكه، ثم سلّط عليه رسوله وأمّته كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله حبس عن مكّة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين» (١).

فإنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأمّته إنّما قصدهم تعظيم البيت وتكريمه واحترامه، ولهذا أنكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح على من قال: اليوم تستحلّ الكعبة، وقال: «اليوم تعظّم الكعبة» (٢).

وقد كان أهل الجاهلية غيّروا دين إبراهيم وإسماعيل بما ابتدعوه من الشّرك وتغيير بعض مناسك الحجّ، فسلّط الله رسوله وأمّته على مكّة فطهّروها من ذلك كلّه، وردّوا الأمر إلى دين إبراهيم الحنيف، وهو الذي دعا لهم مع ابنه


(١) أخرجه: البخاري (١/ ٣٨ - ٣٩) (٢٤٣٤)، ومسلم (٤/ ١١٠) (١٣٥٥).
(٢) أخرجه: البخاري (٥/ ١٨٦ - ١٨٧) (٤٢٨٠).

<<  <   >  >>