للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا سئل عن صيام يوم الإثنين: «ذاك يوم ولدت فيه، وأنزلت عليّ فيه النّبوّة» (١)، إشارة إلى استحباب صيام الأيّام التي تتجدّد فيها نعم الله على عباده. فإنّ أعظم نعم الله على هذه الأمّة إظهار محمد صلّى الله عليه وسلّم لهم وبعثته وإرساله إليهم، كما قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: ١٦٤].

فإنّ النّعمة على الأمّة بإرساله أعظم من النّعمة عليهم بإيجاد السّماء، والأرض، والشّمس، والقمر، والرّياح، والليل، والنّهار، وإنزال المطر، وإخراج النبات، وغير ذلك؛ فإنّ هذه النّعم كلّها قد عمّت خلقا من بني آدم كفروا بالله وبرسله وبلقائه، فبدّلوا نعمة الله كفرا.

وأمّا النّعمة بإرسال محمد صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ بها تمّت مصالح الدّنيا والآخرة، وكمل بسببها دين الله الذي رضيه لعباده، وكان قبوله سبب سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، فصيام يوم تجدّدت فيه هذه النّعم من الله على عباده المؤمنين حسن جميل، وهو من باب مقابلة النّعم في أوقات تجدّدها بالشكر. ونظير هذا صيام يوم عاشوراء حيث أنجى الله فيه نوحا من الغرق، ونجّى فيه موسى وقومه من فرعون وجنوده، وأغرقهم في اليمّ، فصامه نوح وموسى شكرا، فصامه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متابعة لأنبياء الله، وقال لليهود: «نحن أحقّ بموسى منكم»، وصامه وأمر بصيامه.

وقد روي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتحرّى صيام يوم الإثنين ويوم الخميس، روي ذلك عنه من حديث عائشة، وأبي هريرة، وأسامة بن زيد. وفي حديث أسامة أنّه سأله عن ذلك، فقال: «إنّهما يومان تعرض فيهما الأعمال على ربّ


(١) أخرجه: مسلم (٣/ ١٦٧ - ١٦٨) (١١٦٢).

<<  <   >  >>