للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سمّى الله ذلك سكرة؛ لأنّ ألم الموت مع ما ينضمّ إليه يسكر صاحبه فيغيب عقله غالبا، قال الله تعالى: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: ١٩].

ألا للموت كأس أيّ كأس … وأنت لكأسه لا بدّ حاسي

إلى كم والممات إلى قريب … تذكّر بالممات وأنت ناسي

وقد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكثرة ذكر الموت، فقال: «أكثروا ذكر هاذم اللّذّات، الموت» (١). وفي حديث مرسل أنّه صلّى الله عليه وسلّم مرّ بمجلس قد استعلاه الضّحك، فقال: «شوبوا مجلسكم بذكر مكدّر اللّذّات» (٢) الموت. وفي الإكثار من ذكر الموت فوائد؛ منها: أنّه يحثّ على الاستعداد له قبل نزوله، ويقصّر الأمل، ويرضي بالقليل من الرّزق، ويزهّد في الدّنيا، ويرغّب في الآخرة، ويهوّن مصائب الدّنيا، ويمنع من الأشر والبطر والتّوسّع في لذّات الدّنيا.

وفي حديث أبي ذرّ المرفوع الذي خرّجه ابن حبّان في «صحيحه» وغيره:

«إنّ صحف موسى عليه السّلام كانت عبرا فيها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح! عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك! عجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب! عجبت لمن رأى الدّنيا وسرعة تقلّبها بأهلها كيف يطمئنّ إليها!» (٣).

وقد روي أنّ الكنز الذي كان للغلامين كان لوحا من ذهب مكتوب فيه هذا أيضا.


(١) أخرجه: أحمد (٢/ ٢٩٣)، والنسائي (٤/ ٤)، والترمذي (٢٣٠٧)، وابن ماجه (٤٢٥٨)، وابن حبان (٢٩٩٢)، (٢٩٩٤)، (٢٩٩٥).
والحديث صححه الألباني في «الإرواء» (٦٨٢)، و «تخريج المشكاة» (١٦٠٧).
(٢) عزاه في «الجامع الصغير» (٣٤٠٨)، و «كنز العمال» (٤٢١١٢) لابن أبي الدنيا عن عطاء الخراساني مرسلا.
(٣) أخرجه: ابن حبان (٣٦١) مطوّلا جدّا، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (١/ ١٦٦ - ١٦٨)، وهو موضوع.

<<  <   >  >>