قد تيقّنت أنّه ليس للح … يّ خلود ولا من الموت بدّ
إنّما أنت مستعيرة ما سو … ف تردّين والعواري تردّ
غيره:
فما أهل الحياة لنا بأهل … ولا دار الحياة لنا بدار
وما أموالنا والأهل فيها … ولا أولادنا إلاّ عواري
وأنفسنا إلى أجل قريب … سيأخذها المعير من المعار
مفارقة الجسد للرّوح لا تقع إلاّ بعد ألم عظيم تذوقه الرّوح والجسد جميعا، فإنّ الرّوح قد تعلّقت بهذا الجسد وألفته، واشتدّت ألفتها له وامتزاجها به ودخولها فيه، حتّى صارا كالشيء الواحد، فلا يتفارقان إلاّ بجهد شديد وألم عظيم، ولم يذق ابن آدم في حياته ألما مثله، وإلى ذلك الإشارة بقول الله عزّ وجلّ:{كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: ١٨٥]. قال الرّبيع بن خثيم: أكثروا من ذكر هذا الموت؛ فإنّكم لم تذوقوا قبله مثله.
ويتزايد الألم بمعرفة المحتضر بأنّ جسده إذا فارقته الرّوح صار جيفة مستقذرة يأكله الهوامّ، ويبليه التّراب حتّى يعود ترابا، وأنّ الرّوح المفارقة له لا تدري أين مستقرّها، هل هو في الجنّة أو النّار؟ فإن كان عاصيا مصرّا على المعصية إلى الموت، فربّما غلب على ظنّه أنّ روحه تصير إلى النّار، فتتضاعف بذلك حسرته وألمه، وربّما كشف له مع ذلك عن مقعده من النّار فيراه أو يبشّر بذلك، فيجتمع له مع كرب الموت وألمه العظيم معرفته بسوء مصيره، وهذا هو المراد بقول الله تعالى:{وَالْتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ}[القيامة: ٢٩] على ما فسّره به كثير من السّلف، فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت، فلا تسأل عن سوء حاله.