للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها: قوله صلّى الله عليه وسلّم في صيام الدّهر: «لا صام ولا أفطر» (١)، يعني أنّه لا يجد مشقّة الصّيام ولا فقد الطّعام والشّراب والشّهوة؛ لأنّه صار الصيام له عادة مألوفة، فربما تضرّر بتركه، فإذا صام تارة وأفطر أخرى حصل له بالصيام مقصوده بترك هذه الشّهوات، وفي نفسه داعية إليها، وذلك أفضل من أن يتركها ونفسه لا تتوق إليها.

ومنها: قوله صلّى الله عليه وسلّم في حقّ داود عليه السّلام: «كان يصوم يوما، ويفطر يوما، ولا يفرّ إذا لاقى» (٢)، يشير إلى أنّه كان لا يضعفه صيامه عن ملاقاة عدوه ومجاهدته في سبيل الله. ولهذا روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال لأصحابه يوم الفتح وكان في رمضان: «إنّ هذا يوم قتال فأفطروا» (٣). وكان عمر إذا بعث سرية، قال لهم: لا تصوموا، فإنّ التّقوي على الجهاد أفضل من الصّوم.

فأفضل الصّيام ألاّ يضعف البدن حتى يعجز عمّا هو أفضل منه؛ من القيام بحقوق الله تعالى، أو حقوق عباده اللاّزمة، فإن أضعف عن شيء من ذلك ممّا هو أفضل منه كان تركه أفضل.

فالأوّل؛ مثل أن يضعف الصّيام عن الصّلاة، أو عن الذكر، أو عن العلم كما قيل في النهي عن صيام يوم الجمعة ويوم عرفة بعرفة إنّه يضعف عن الذكر والدّعاء في هذين اليومين. وكان ابن مسعود يقلّ الصّوم ويقول: إنّه يمنعني من قراءة القرآن، وقراءة القرآن أحبّ إليّ. فقراءة القرآن أفضل من الصّيام.

نصّ عليه سفيان الثوريّ وغيره من الأئمة. وكذلك تعلّم العلم النّافع وتعليمه أفضل من الصّيام.


(١) أخرجه: مسلم (٣/ ١٦٧) (١١٦٢) من حديث أبي قتادة.
(٢) أخرجه: البخاري (١٩٧٧) (١٩٧٩)، ومسلم (٣/ ١٦٤) (١١٥٩).
(٣) أخرجه: ابن سعد (٢/ ١٤١)، وعبد الرزاق في مصنفه (٥/ ٣٠٢) (٩٦٨٨) مرسلا.

<<  <   >  >>