للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتبشير والإنذار هو الترغيب والترهيب، فلذلك كانت تلك المجالس توجب لأصحابه - كما ذكر أبو هريرة رضي الله عنه في هذا الحديث - رقّة القلوب، والزّهد في الدّنيا، والرّغبة في الآخرة. فأمّا رقّة القلوب فتنشأ عن الذّكر؛ فإنّ ذكر الله يوجب خشوع القلب وصلاحه ورقّته، ويذهب بالغفلة عنه.

قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرّعد: ٢٨]. وقال الله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً} [الأنفال: ٢]. وقال: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحج: ٣٤ - ٣٥]. وقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: ١٦]. وقال: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ} [الزّمر: ٢٣].

وقال العرباض بن سارية: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون (١). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: نعم المجلس، المجلس الذي تنشر فيه الحكمة، وترجى فيه الرّحمة (٢)؛ مجالس الذّكر.

وشكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال: ادنه من الذّكر (٣). وقال:

مجالس الذّكر محياة العلم، وتحدث في القلب الخشوع. القلوب الميتة تحيا بالذّكر، كما تحيا الأرض الميتة بالقطر.


(١) أخرجه: أحمد (٤/ ١٢٦ - ١٢٧)، وأبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٦)، وابن ماجه (٤٢) والحاكم (١/ ٩٦) وابن أبي عاصم في «السنة» (٥٦)، والطبراني (١٨/ ٦١٧ - ٦٢٤). وقد صححه البزار وأبو نعيم والترمذي والحاكم والألباني. وراجع: «الإرواء» (٢٤٥٥).
(٢) «سنن الدارمي» (٢٨٧)، و «المعجم الكبير» للطبراني (٩/ ٨٩٢٥).
(٣) «الزهد» لابن أبي عاصم (ص ٢٦٦).

<<  <   >  >>