للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذكر الله ترتاح القلوب … ودنيانا بذكراه تطيب

وأمّا الزّهد في الدّنيا والرّغبة في الآخرة، فبما يحصل في مجالس الذّكر من ذكر عيوب الدّنيا وذمّها، والتّرهيب منها (١)، وذكر فضل الجنّة ومدحها، والترغيب فيها، وذكر النّار وأهوالها، والترهيب منها.

وفي مجالس الذّكر تنزل الرّحمة، وتغشى السّكينة، وتحفّ الملائكة، ويذكر الله أهلها فيمن عنده. وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فربّما رحم معهم من جلس إليهم وإن كان مذنبا، وربّما بكى فيهم باك من خشية الله فوهب أهل المجلس كلّهم له. وهي رياض الجنّة، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «مجالس الذّكر» (٢).

فإذا انقضى مجلس الذكر، فأهله بعد ذلك على أقسام:

فمنهم: من يرجع إلى هواه فلا يتعلّق بشيء مما سمعه في مجلس الذّكر، ولا يزداد هدى، ولا يرتدع عن ردى؛ وهؤلاء شرّ الأقسام، ويكون ما سمعوه حجّة عليهم، فتزداد به عقوبتهم؛ وهؤلاء الظالمون لأنفسهم {أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ} [النّحل: ١٠٨].

ومنهم: من ينتفع بما سمعه، وهم على أقسام: فمنهم من يردّه ما سمعه عن المحرّمات، ويوجب له التزام الواجبات؛ وهؤلاء المقتصدون أصحاب اليمين. ومنهم من يرتقي عن ذلك إلى التشمير في نوافل الطاعات، والتورّع


(١) في أ، ب: «التزهيد فيها».
(٢) أخرجه: أحمد (٣/ ١٥٠)، والترمذي (٣٥١٠) من حديث محمد بن ثابت البناني عن أبيه عن أنس، ومحمد هذا متفق على تضعيفه، ولهذا فقد استنكر هذا الحديث عليه ابن عدي في «الكامل» (٦/ ٢١٤٧)، والذهبي في «الميزان» (٤/ ٤٩٥)، وله شاهد عند الحاكم من حديث جابر مرفوعا (١/ ٦٧١). وراجع: «الضعيفة» (١١٥٠)، و «الصحيحة» (٢٥٦٢).

<<  <   >  >>