للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن دقائق المكروهات، ويشتاق إلى اتباع آثار من سلف من السّادات، وهؤلاء السابقون المقرّبون.

وينقسم المنتفعون بسماع مجلس الذكر في استحضار ما سمعوه في المجلس والغفلة عنه إلى أقسام ثلاثة: فقسم يرجعون إلى مصالح دنياهم المباحة فيشتغلون بها، فتذهل بذلك قلوبهم عمّا كانوا يجدونه في مجلس الذكر؛ من استحضار عظمة الله وجلاله وكبريائه، ووعده ووعيده، وثوابه وعقابه، وهذا هو الذي شكاه الصحابة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخشوا؛ لكمال معرفتهم، وشدّة خوفهم، أن يكون نفاقا، فأعلمهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه ليس بنفاق.

وفي «صحيح مسلم» عن حنظلة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، نافق حنظلة. قال: «وما ذاك؟» قال: نكون عندك تذكّرنا الجنّة والنّار كأنها رأي عين، فإذا رجعنا من عندك عافسنا الأزواج والضّيعة، ونسينا كثيرا، فقال: «لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة» (١). وفي رواية له أيضا: «لو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذّكر لصافحتكم الملائكة حتّى تسلّم عليكم في الطّرق» (٢).

ومعنى هذا أنّ استحضار ذكر الآخرة بالقلب في جميع الأحوال عزيز جدّا، ولا يقدر كثير من النّاس أو أكثرهم عليه، فيكتفى منهم بذكر ذلك أحيانا وإن وقعت الغفلة عنه في حال التّلبّس بمصالح الدّنيا المباحة، ولكنّ المؤمن لا يرضى من نفسه بذلك، بل يلوم نفسه عليه ويحزنه ذلك من نفسه. العارف


(١) أخرجه: مسلم (٨/ ٩٤ - ٩٥) (٢٧٥٠)، وأحمد (٤/ ١٧٨)، والترمذي (٢٥١٤)، وابن ماجه (٤٢٣٩).
(٢) مسلم (٨/ ٩٥) (٢٧٥٠).

<<  <   >  >>