للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتأسّف في وقت الكدر على زمن الصّفاء، ويحنّ إلى زمان القرب والوصال في حال الجفاء:

ما أذكر عيشنا الّذي قد سلفا … إلا وجف القلب وكم قد وجفا

واها لزماننا الّذي كان صفا … لو كان يردّ فانيا (١) وا أسفا

وقسم آخر يستمرّون على استحضار حال مجلس سماع الذّكر، فلا يزال تذكّر ذلك بقلوبهم ملازما لهم، وهؤلاء على قسمين:

أحدهما: من يشغله ذلك عن مصالح دنياه المباحة، فينقطع عن الخلق، فلا يقوى على مخالطتهم، ولا القيام بوفاء حقوقهم. وكان كثير من السّلف على هذه الحال؛ فمنهم من كان لا يضحك، ومنهم من كان يقول: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد.

والثاني: من يستحضر ذكر الله وعظمته وثوابه وعقابه بقلبه، ويدخل ببدنه في مصالح دنياه من اكتساب الحلال والقيام على العيال، ويخالط الخلق فيما يوصل إليهم به النفع ممّا هو عبادة في نفسه؛ كتعليم العلم، والجهاد، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وهؤلاء أشرف القسمين، وهم خلفاء الرسل، وهم الذين قال فيهم عليّ رضي الله عنه: صحبوا الدّنيا بأبدان، أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى.

وقد كان حال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند الذكر يتغيّر، ثم يرجع بعد انقضائه إلى مخالطة النّاس والقيام بحقوقهم.

ففي «مسند البزار» و «معجم الطبراني» عن جابر رضي الله عنه، قال: «كان النّبيّ


(١) في ب: «فائتا»، وفي أ: «هل يرجع بعد فوته».

<<  <   >  >>