للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الذنوب المانعة من المغفرة أيضا: الشحناء، وهي حقد المسلم على أخيه بغضا له؛ لهوى نفسه، وذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة؛ كما في «صحيح مسلم» عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:

«تفتح أبواب الجنّة يوم الإثنين والخميس، فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا، إلاّ رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتّى يصطلحا» (١).

وقد فسّر الأوزاعيّ هذه الشّحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا ريب أنّ هذه الشّحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا. وعن الأوزاعي أنّه قال: المشاحن كلّ صاحب بدعة فارق عليها الأمّة.

وكذا قال ابن ثوبان: المشاحن هو التارك لسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، الطاعن على أمّته، السّافك دماءهم. وهذه الشّحناء - أعني شحناء البدعة - توجب الطّعن على جماعة المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم، كبدع الخوارج والرّوافض ونحوهم.

فأفضل الأعمال: سلامة الصّدر من أنواع الشّحناء كلّها، وأفضلها السّلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطّعن على سلف الأمّة، وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم؛ ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشّحناء لعموم المؤمنين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون:

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: ١٠].

وفي «المسند» عن أنس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحابه ثلاثة أيام: «يطلع عليكم


(١) أخرجه: مسلم (٨/ ١١) (٢٥٦٥).

<<  <   >  >>