للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك متلقى من النّصارى؛ فإنّهم يفعلونه عند قرب صيامهم، وهذا كلّه خطأ وجهل ممن ظنّه. وربّما لم يقتصر كثير منهم على اغتنام الشهوات المباحة، بل يتعدّى إلى المحرّمات، وهذا هو الخسران المبين. وأنشد بعضهم:

إذا العشرون من شعبان ولّت … فواصل شرب ليلك بالنّهار

ولا تشرب بأقداح صغار … فإنّ الوقت ضاق عن الصّغار

وقال آخر:

جاء شعبان منذرا بالصّيام … فاسقياني راحا بماء الغمام

ومن كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه، وله نصيب من قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها} الآية [الأعراف:

١٧٩]. وربما تكرّه كثير منهم بصيام رمضان، حتّى إنّ بعض السّفهاء من الشّعراء كان يسبّه، وكان للرشيد ابن سفيه، فقال مرّة.

دعاني شهر الصّوم لا كان من شهر … ولا صمت شهرا بعده آخر الدّهر

فلو كان يعديني الأنام (١) … بقدرة

على الشّهر لاستعديت جهدي على الشّهر

فأخذه داء الصّرع، فكان يصرع في كلّ يوم مرّات متعددة، ومات قبل أن يدركه رمضان آخر.

وهؤلاء السّفهاء يستثقلون رمضان؛ لاستثقالهم العبادات فيه؛ من الصّلاة والصّيام، فكثير من هؤلاء الجهّال لا يصلّي إلا في رمضان إذا صام، وكثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان؛ فيطول عليه، ويشقّ على نفسه مفارقتها لمألوفها، فهو يعدّ الأيّام والليالي؛ ليعود إلى المعصية؛ وهؤلاء


(١) في ص: «للأيام».

<<  <   >  >>