للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوثب إليه عمر فأخذ بمنكبيه، فهزّه، ثم قال: اجلس، فإنّه لم يهلك أهل الكتاب، إلاّ أنّه لم يكن لصلاتهم فصل، فرفع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصره، فقال:

«أصاب الله بك يا ابن الخطّاب» (١). ومن علّل بهذا؛ فمنهم من كره وصل صوم شعبان برمضان مطلقا. وروي عن ابن عمر، قال: لو صمت الدّهر لأفطرت الذي بينهما. وروي فيه حديث مرفوع لا يصحّ. والجمهور على جواز صيام ما وافق عادة؛ لأنّ الزّيادة إنّما تخشى إذا لم يعرف سبب الصّيام.

والمعنى الثالث: أنّه أمر بذلك؛ للتقوي على صيام رمضان؛ فإنّ مواصلة الصّيام قد تضعف عن صيام الفرض، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى التقوّي على صيام رمضان.

وفي هذا التعليل نظر، فإنّه لا يكره التقدّم بأكثر من ذلك، ولا لمن صام الشهر كلّه، وهو أبلغ في معنى الضعف، لكنّ الفطر بنيّة التقوي لصيام رمضان حسن لمن أضعفه مواصلة الصيام، كما كان عبد الله بن عمرو بن العاص يسرد الفطر أحيانا، ثم يسرد الصّوم ليتقوّى بفطره على صومه. ومنه قول بعض الصّحابة: إنّي أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وفي الحديث المرفوع:

«الطّاعم الشّاكر كالصّائم الصّابر» (٢). خرّجه الترمذيّ وغيره.

ولربّما ظنّ بعض الجهّال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل؛ لتأخذ النّفوس حظّها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصّيام، ولهذا يقولون: هي أيّام توديع للأكل، وتسمّى تنحيسا، واشتقاقه من الأيام النّحسات. ومن قال:

هو تنهيس، بالهاء، فهو خطأ منه، ذكره ابن درستويه النّحويّ، وذكر أنّ أصل


(١) أخرجه: أبو داود (١٠٠٧)، وانظر «ضعيف المشكاة» (٩٧٢).
(٢) أخرجه: الترمذي (٢٤٨٦)، وابن ماجه (١٧٦٤)، (١٧٦٥)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (٦٥٥).

<<  <   >  >>