للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقي من الحسنات حسنة دخل بها صاحبها الجنّة. قاله سعيد بن جبير وغيره.

وفيه حديث مرفوع خرّجه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا (١)، فيحتمل أن يقال في الصوم: إنّه لا يسقط ثوابه بمقاصّة ولا غيرها، بل يوفّر أجره لصاحبه حتّى يدخل الجنّة، فيوفّى أجره فيها.

وأمّا قوله: «فإنّه لي»، فإنّ الله خصّ الصيام بإضافته إلى نفسه دون [غيره من] (٢) سائر الأعمال، وقد كثر القول في معنى ذلك من الفقهاء والصّوفية وغيرهم، وذكروا فيه وجوها كثيرة. ومن أحسن ما ذكر فيه وجهان:

أحدهما: أنّ الصّيام هو مجرّد ترك حظوظ النّفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله عزّ وجلّ، ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصّيام؛ لأنّ الإحرام إنّما يترك فيه الجماع ودواعيه من الطّيب دون سائر الشّهوات؛ من الأكل والشرب، وكذلك الاعتكاف مع أنّه تابع للصّيام.

وأمّا الصّلاة فإنّه وإن ترك المصلّي فيها جميع الشهوات إلاّ أنّ مدّتها لا تطول، فلا يجد المصلّي فقد الطّعام والشّراب في صلاته، بل قد نهي أن يصلّي ونفسه تتوق إلى طعام بحضرته حتى يتناول منه ما يسكن نفسه، ولهذا أمر بتقديم العشاء على الصّلاة.

وذهبت طائفة من العلماء إلى إباحة شرب الماء في صلاة التطوّع، وكان ابن الزبير يفعله في صلاته، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهذا بخلاف الصّيام؛ فإنّه يستوعب النّهار كلّه، فيجد الصّائم فقد هذه الشهوات، وتتوق نفسه إليها، خصوصا في نهار الصيف؛ لشدّة حرّه وطوله، ولهذا روي أنّ من خصال الإيمان الصّوم في الصّيف.


(١) «المستدرك» (٤/ ٢٥٢).
(٢) زيادة من «ص».

<<  <   >  >>