للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرضي مولاه وإن كان مخالفا لهواه، ويكون ألمه فيما يكرهه مولاه، وإن كان موافقا لهواه.

وإذا كان هذا فيما حرّم لعارض الصّوم من الطّعام والشراب ومباشرة النساء، فينبغي أن يتأكّد ذلك فيما حرّم على الإطلاق، كالزّنا، وشرب الخمر، وأخذ الأموال أو الأعراض بغير حقّ، وسفك الدّماء المحرّمة؛ فإنّ هذا يسخط الله على كلّ حال وفي كلّ زمان ومكان، فإذا كمل إيمان المؤمن كره ذلك كلّه أعظم من كراهته للقتل والضّرب.

ولهذا جعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من علامات وجود حلاوة الإيمان: أن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله، كما يكره أن يلقى في النّار. وقال يوسف عليه السّلام:

{رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: ٣٣].

سئل ذو النون: متى أحبّ ربّي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمرّ عندك من الصّبر. وقال غيره: ليس من أعلام المحبّة أن تحبّ ما يكرهه حبيبك.

وكثير من النّاس يمشي على العوائد دون ما يوجبه الإيمان ويقتضيه، فلهذا كثير منهم لو ضرب ما أفطر في رمضان لغير عذر. ومن جهّالهم من لا يفطر لعذر ولو تضرّر بالصّوم، مع أنّ الله يحبّ منه أن يقبل رخصته، جريا على العادة، وقد اعتاد مع ذلك ما حرّم الله من الزّنا وشرب الخمر وأخذ الأموال والأعراض أو الدّماء بغير حقّ، فهذا يجري على عوائده في ذلك كلّه لا على مقتضى الإيمان، ومن عمل بمقتضى الإيمان صارت لذّته في مصابرة نفسه عمّا تميل نفسه إليه إذا كان فيه سخط الله، وربّما يرتقي إلى أن يكره جميع ما يكرهه الله منه، وينفر منه وإن كان ملائما للنفوس، كما قيل:

إن كان رضاكم في سهري … فسلام الله على وسني

<<  <   >  >>