للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحبّون يغارون من اطلاع الأغيار على الأسرار التي بينهم وبين من يحبّهم ويحبّونه.

نسيم صبا نجد متى جئت حاملا … تحيتهم فاطو الحديث عن الرّكب

ولا تذع السّرّ المصون فإنّني … أغار على ذكر الأحبّة من صحبي

وقوله: «ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» فيه إشارة إلى المعنى الذي ذكرناه، وأنّ الصائم تقرّب (١) إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه من الطعام والشراب والنّكاح، وهذه أعظم شهوات النفس.

وفي التقرّب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد:

منها: كسر النفس؛ فإنّ الشّبع والرّيّ ومباشرة النّساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة.

ومنها: تخلّي القلب للفكر والذّكر؛ فإنّ تناول هذه الشهوات قد تقسّي القلب وتعميه، وتحول بين العبد وبين الذّكر والفكر، وتستدعي الغفلة. وخلوّ الباطن (٢) من الطعام والشراب ينوّر القلب، ويوجب رقّته، ويزيل قسوته، ويخليه للذكر والفكر.

ومنها: أنّ الغنيّ يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرا من الفقراء من فضول الطّعام والشراب والنّكاح؛ فإنّه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقّة له بذلك، يتذكر به من منع من ذلك على الإطلاق، فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك.

ومنها: أنّ الصّيام يضيّق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم؛


(١) في ب: «وأن الصيام يقرب».
(٢) في ب: «البطن».

<<  <   >  >>