للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم، فتسكن بالصّيام وساوس الشّيطان، وتنكسر سورة الشهوة والغضب، ولهذا جعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّوم وجاء (١)؛ لقطعه عن شهوة النّكاح.

واعلم؛ أنّه لا يتمّ التقرّب إلى الله عزّ وجلّ بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصّيام إلا بعد التقرّب إليه بترك ما حرّم الله في كلّ حال؛ من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ولهذا قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يدع قول الزّور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (٢). خرّجه البخاريّ. وفي حديث آخر: «ليس الصّيام من الطّعام والشراب، إنّما الصّيام من اللغو والرّفث». قال الحافظ أبو موسى المدينيّ:

هو على شرط مسلم.

قال بعض السّلف: أهون الصّيام ترك الشراب والطعام. وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.

إذا لم يكن في السّمع منّي تصاون … وفي بصري غضّ وفي منطقي صمت

فحظّي إذا من صومي الجوع والظّما … فإنّ قلت إنّي صمت يومي فما صمت

وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ربّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظّه من قيامه السّهر» (٣). وسرّ هذا أنّ التقرّب إلى الله عزّ وجلّ بترك


(١) أخرجه: البخاري (٣/ ٣٤) (١٩٠٥)، ومسلم (٤/ ١٢٨) (١٤٠٠).
(٢) أخرجه: البخاري (٣/ ٣٣) (١٩٠٣).
(٣) أخرجه: أحمد (٢/ ٣٧٣)، وابن ماجه (١٦٩٠)، وأبو يعلى (٦٥٥١)، وابن خزيمة (١٩٩٧)، والحاكم (١/ ٤٣١).
وصححه الألباني في «تخريج المشكاة» (٢٠١٤)، و «تخريج الترغيب» (٩٨، ٢/ ٩٧).

<<  <   >  >>