للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان كثير من السّلف يواسون من إفطارهم أو يؤثرون به ويطوون (١)، وكان ابن عمر يصوم، ولا يفطر إلاّ مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم (٢)، لم يتعشّ تلك الليلة. وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه، أخذ نصيبه من الطعام وقام، فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة، فيصبح صائما ولم يأكل شيئا.

واشتهى بعض الصالحين من السّلف طعاما، وكان صائما، فوضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلا يقول: من يقرض المليّ الوفيّ الغني (٣)؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات. فقام فأخذ الصّحفة فخرج بها إليه، وبات طاويا. وجاء سائل إلى الإمام أحمد، فدفع إليه رغيفين كان يعدّهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائما. وكان الحسن يطعم إخوانه وهو صائم تطوّعا، ويجلس يروّحهم وهم يأكلون. وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السّفر الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم.

سلام الله على تلك الأرواح. رحمة الله على تلك الأشباح؛ لم يبق منهم إلاّ أخبار وآثار. كم بين من يمنع الحقّ الواجب عليه وبين أهل الإيثار.

لا تعرضنّ لذكرنا في ذكرهم … ليس الصّحيح إذا مشى كالمقعد

وله فوائد أخر.

قال الشافعي رضي الله عنه: أحبّ للرجل الزّيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولحاجة النّاس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصّوم والصّلاة عن مكاسبهم. وكذا قال القاضي أبو يعلى وغيره من أصحابنا أيضا.


(١) الطّوى: الجوع.
(٢) في أ، ص: «منعهم أهله عنه».
(٣) «الوفي» لي في «ص»، و «الغني» ليس في أ، ب.

<<  <   >  >>