للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يختص به، كشهوة فضول الكلام المحرّم، والنظر المحرّم، والسّماع المحرّم، والكسب المحرّم؛ فإذا منعه الصّيام من هذه المحرّمات كلّها، فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: يا ربّ، منعته شهواته، فشفّعني فيه.

فهذا لمن حفظ صيامه، ومنعه من شهواته.

فأمّا من ضيّع صيامه ولم يمنعه ممّا حرّمه الله عليه، فإنّه جدير أن يضرب به وجه صاحبه؛ ويقول له: ضيّعك الله كما ضيعتني. كما ورد مثل ذلك في الصّلاة. قال بعض السّلف: إذا احتضر المؤمن، يقال للملك: شمّ رأسه.

قال: أجد في رأسه القرآن. فيقال: شمّ قلبه. فيقول: أجد في قلبه الصّيام، فيقال: شمّ قدميه، فيقول: أجد في قدميه القيام. فيقال: حفظ نفسه حفظه الله عزّ وجلّ.

وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، فإن من قرأ القرآن وقام به، فقد قام بحقّه فيشفع له. وقد ذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلا، فقال: «ذاك لا يتوسّد القرآن» (١). يعني لا ينام عليه فيصير له كالوسادة.

وخرّج الإمام أحمد من حديث بريدة مرفوعا: «إنّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقّ عنه قبره، كالرّجل الشاحب، فيقول: هل تعرفني؟ أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وكلّ تاجر من وراء تجارته؛ فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنّة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ؛ هذّا كان أو ترتيلا» (٢).


(١) أخرجه: أحمد (٣/ ٤٤٩)، والنسائي (٣/ ٢٥٦ - ٢٥٧) عن السائب بن يزيد رضي الله عنه.
وصححه الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (٣/ ٣٣٩).
(٢) أخرجه: أحمد (٥/ ٣٤٨) وفي إسناده ضعف. وراجع: «تفسير ابن كثير» (١/ ٥٣).

<<  <   >  >>