للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك» (١) قال يحيى بن معاذ: لو لم يكن العفو أحبّ الأشياء إليه لم يبتل بالذّنب أكرم النّاس عليه. يشير إلى أنّه ابتلى كثيرا من أوليائه وأحبابه بشيء من الذنوب؛ ليعاملهم بالعفو؛ فإنه يحبّ العفو. قال بعض السّلف الصالح:

لو علمت أحبّ الأعمال إلى الله تعالى لأجهدت نفسي فيه. فرأى قائلا يقول له في منامه: إنّك تريد ما لا يكون، إنّ الله يحبّ أن يعفو ويغفر؛ وإنما أحبّ أن يعفو؛ ليكون العباد كلّهم تحت عفوه، ولا يدلّ عليه أحد منهم بعمل.

وقد جاء في حديث ابن عبّاس مرفوعا: «إن الله ينظر ليلة القدر إلى المؤمنين من أمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيعفو عنهم ويرحمهم، إلا أربعة: مدمن خمر، وعاقّا، ومشاحنا، وقاطع رحم».

لمّا عرف العارفون جلاله خضعوا، ولمّا سمع المذنبون بعفوه طمعوا، ما ثم إلاّ عفو الله أو النار. لولا طمع المذنبين في العفو لاحترقت قلوبهم باليأس من الرّحمة، ولكن إذا ذكرت عفو الله استروحت إلى برد عفوه. كان بعض المتقدّمين يقول في دعائه: اللهم، إنّ ذنوبي قد عظمت فجلّت عن الصّفة، وإنها صغيرة في جنب عفوك؛ فاعف عنّي. وقال آخر منهم: جرمي عظيم، وعفوك كبير؛ فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم.

يا كبير الذّنب عفو اللّ‍ … هـ من ذنبك أكبر

أكبر الأوزار في جن‍ … ب عفو الله يصغر

وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي


(١) أخرجه: مسلم (٢/ ٥١) (٤٨٦)، وأبو داود (٨٧٩)، وابن ماجه (٣٨٤١)، والترمذي (٣٤٩٣) وحسنه.

<<  <   >  >>