للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: ١٨٥]. فمن جملة شكر العبد لربّه على توفيقه لصيام رمضان وإعانته عليه، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرا عقيب ذلك.

كان بعض السّلف إذا وفّق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائما، ويجعل صيامه شكرا للتوفيق للقيام. وكان وهيب بن الورد يسأل عن ثواب شيء من الأعمال، كالطواف ونحوه، فيقول: لا تسألوا عن ثوابه، ولكن سلوا ما الذي على من وفّق لهذا العمل من الشكر؛ للتوفيق والإعانة عليه.

إذا أنت لم تزدد على كلّ نعمة … لموليكها شكرا فلست بشاكر

كلّ نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبدا، فلا يقدر العباد على القيام بشكر النعم.

وحقيقة الشّكر الاعتراف بالعجز عن الشكر، كما قيل:

إذا كان شكري نعمة الله نعمة … عليّ له في مثلها يجب الشّكر

فكيف بلوغ الشّكر إلاّ بفضله … وإن طالت الأيّام واتّصل العمر

قال أبو عمرو الشيباني: قال موسى عليه السّلام يوم الطّور: يا ربّ، إن أنا صليت فمن قبلك، وإن أنا تصدّقت فمن قبلك، وإن بلّغت رسالاتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟ قال: يا موسى، الآن شكرتني.

فأمّا مقابلة نعمة التوفيق لصيام رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من فعل من بدّل نعمة الله كفرا. فإن كان قد عزم في صيامه على معاودة

<<  <   >  >>