للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعاصي بعد انقضاء الصيام، فصيامه عليه مردود، وباب الرّحمة في وجهه مسدود.

قال كعب: من صام رمضان وهو يحدّث نفسه أنّه إذا أفطر رمضان أن لا يعصي الله، دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب، ومن صام رمضان وهو يحدّث نفسه أنّه إذا أفطر عصى ربّه، فصيامه عليه مردود.

ومنها: أنّ الأعمال التي كان العبد يتقرّب بها إلى ربّه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان، بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيّا. وهذا معنى الحديث المتقدّم أنّ الصائم بعد رمضان كالكارّ بعد الفارّ، يعني كالذي يفرّ من القتال في سبيل الله ثم يعود إليه. وذلك لأنّ كثيرا من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان؛ لاستثقال الصّيام وملله وطوله عليه. ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصّيام سريعا، فالعائد إلى الصّيام بعد فطره يوم الفطر يدلّ عوده على رغبته في الصيام، وأنّه لم يملّه ولم يستثقله ولا تكرّه به.

وفي حديث خرّجه الترمذي مرفوعا: «أحبّ الأعمال إلى الله الحالّ المرتحل» (١). وفسّر بصاحب القرآن يضرب من أوّله إلى آخره، ومن آخره إلى أوّله، كلّما حلّ ارتحل. والعائد إلى الصّيام سريعا بعد فراغ صيامه، شبيه بقارئ القرآن إذا فرغ من قراءته ثم عاد إليه، في المعنى، والله أعلم.

قيل لبشر: إنّ قوما يتعبّدون ويجتهدون في رمضان. فقال: بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقّا إلاّ في شهر رمضان، إن الصّالح الذي يتعبّد ويجتهد السّنة كلّها. وسئل الشّبلي: أيّما أفضل، رجب أو شعبان؟ فقال: كن ربّانيّا ولا تكن شعبانيّا ثم أنشد:


(١) أخرجه: الترمذي (٢٩٤٨)، وقال: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بالقوي».

<<  <   >  >>