للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبد الله بن عمرو بن العاص: حجّة قبل الغزو أفضل من عشر غزوات، وغزوة بعد حجّة أفضل من عشر حجات. وروي ذلك مرفوعا (١) من وجوه متعدّدة، في أسانيدها مقال.

وقال الصّبيّ بن معبد: كنت نصرانيّا فأسلمت، فسألت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم: الجهاد أفضل أم الحجّ؟ فقالوا: الحجّ.

والمراد - والله أعلم - أنّ الحجّ أفضل لمن لم يحجّ حجّة الإسلام، مثل هذا الذي أسلم. وقد يكون المراد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ جنس الجهاد أشرف من جنس الحجّ، فإن عرض للحج وصف يمتاز به على الجهاد، وهو كونه فرض عين، صار ذلك الحجّ المخصوص أفضل من الجهاد، وإلاّ فالجهاد أفضل، والله أعلم.

وقد دلّ حديث أبي هريرة رضي الله عنه على أنّ أفضل الأعمال بعد الجهاد في سبيل الله جنس عمارة المساجد؛ بذكر الله وطاعته، فيدخل في ذلك الصلاة والذّكر والتلاوة والاعتكاف وتعليم العلم النافع واستماعه. وأفضل ذلك عمارة أفضل المساجد وأشرفها، وهو المسجد الحرام، وبالزّيارة والطّواف؛ فلهذا خصّه بالذكر وجعل قصده للحجّ أفضل الأعمال بعد الجهاد. وقد خرّجه ابن المنذر ولفظه: «ثم حجّ مبرور أو عمرة».

وقد ذكر الله تعالى هذا البيت في كتابه بأعظم ذكر وأفخم تعظيم وثناء، قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥]. الآيات. وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً}


(١) أخرجه: أبو نعيم في «الحلية» (٥/ ١٨٨)، وإسناده ضعيف.

<<  <   >  >>