للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلّها يحتاج الحاجّ إليها، فإنّه لا يصحّ حجّه بدون الإيمان، ولا يكمل حجّه ويكون مبرورا بدون إقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة؛ فإنّ أركان الإسلام بعضها مرتبط ببعض، فلا يكمل الإيمان والإسلام حتى يؤتى بها كلها، ولا يكمل برّ الحجّ بدون الوفاء بالعهود في المعاقدات والمشاركات المحتاج إليها في سفر الحجّ، وإيتاء المال المحبوب لمن يحبّ الله إيتاءه، ويحتاج مع ذلك إلى الصبر على ما يصيبه من المشاق في السّفر.

فهذه خصال البّر، ومن أهمّها للحاجّ إقام الصّلاة. فمن حجّ من غير إقام الصّلاة، لا سيّما إن كان حجّه تطوّعا، كان بمنزلة من سعى في ربح درهم، وضيّع رأس ماله وهو ألوف كثيرة. وقد كان السّلف يواظبون في الحجّ على نوافل الصّلاة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يواظب على قيام الليل على راحلته في أسفاره كلها ويوتر عليها.

وحجّ مسروق، فما نام إلاّ ساجدا. وكان محمد بن واسع يصلّي في طريق مكّة ليله أجمع في محمله، يومئ إيماء، ويأمر حاديه أن يرفع صوته خلفه حتى يشغل عنه بسماع صوت الحادي، فلا يتفطّن له.

وكان المغيرة بن حكيم الصّنعاني يحجّ من اليمن ماشيا، وكان له ورد بالليل يقرأ فيه كلّ ليلة ثلث القرآن، فيقف فيصلّي حتى يفرغ من ورده، ثم يلحق بالركب متى لحق، فربما لم يلحقهم إلاّ في آخر النهار. سلام الله على تلك الأرواح، رحمة الله على تلك الأشباح، ما مثلنا ومثلهم إلاّ كما قال القائل:

نزلوا بمكّة في قبائل هاشم … ونزلت بالبيداء أبعد منزل

فنحن ما نأمر إلا بالمحافظة على الصّلاة في أوقاتها ولو بالجمع بين الصّلاتين المجموعتين في وقت إحداهما بالأرض؛ فإنّه لا يرخّص لأحد أن

<<  <   >  >>