منهم ينفقون أموالهم فيما يحبّه الله؛ من الحجّ والاعتمار والجهاد في سبيل الله والعتق والصّدقة والبرّ والصّلة وغير ذلك من أنواع البرّ والطاعات والقربات، حزنوا لما فاتهم من مشاركتهم في هذه الفضائل.
وقد ذكرهم الله تعالى في كتابه بذلك، فقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ} [التوبة: ٩١ - ٩٢].
نزلت هذه الآية بسبب قوم من فقراء المسلمين أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يتجهّز إلى غزوة تبوك، فطلبوا منه أن يحملهم، فقال لهم: لا أجد ما أحملكم عليه، فرجعوا يبكون حزنا على ما فاتهم من الجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (١). قال بعض العلماء: هذا والله بكاء الرجال، بكوا على فقدهم رواحل يتحمّلون عليها إلى الموت في مواطن تراق فيها الدّماء في سبيل الله، وتنزع فيها رءوس الرّجال عن كواهلها بالسيوف. فأمّا من بكى على فقد حظّه من الدّنيا وشهواته العاجلة، فذلك شبيه ببكاء الأطفال والنساء على فقد حظوظهم العاجلة.
إنما يحسن البكاء والأسف على فوات الدّرجات العلى والنّعيم المقيم. قال بعضهم: يرى رجل في الجنّة يبكي، فيسأل عن حاله، فيقول: كانت لي نفس واحدة قتلت في سبيل الله، ووددت أنّه كانت لي نفوس كثيرة تقتل كلّها في سبيله.