غزا قوم في سبيل الله، فلمّا صافّوا عدوّهم واقتتلوا، رأى كلّ واحد منهم زوجته من الحور قد فتحت بابا من السّماء، وهي تستدعي صاحبها إليها وتحثّه على القتال، فقتلوا كلّهم إلاّ واحدا. وكان كلّما قتل منهم واحد غلّق باب وغابت منه المرأة، فأفلت آخرهم، فأغلقت تلك المرأة الباب الباقي. وقالت:
ما فاتك يا شقي! فكان يبكي على حاله إلى أن مات، ولكنّه أورثه ذلك طول الاجتهاد والحزن والأسف.
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه … وإن كان من ليلى على الهجر طاويا
لما سمع الصّحابة رضي الله عنهم قول الله عزّ وجلّ {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ}[البقرة: ١٤٨]{سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ}[الحديد: ٢١] فهموا من ذلك أنّ المراد أن يجتهد كلّ واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة، والمسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية، فكان أحدهم إذا رأى من يعمل عملا يعجز عنه، خشي أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له، فيحزن لفوات سبقه. فكان تنافسهم في درجات الآخرة واستباقهم إليها، كما قال تعالى:{وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ}[المطفّفين: ٢٦]. ثم جاء من بعدهم، فعكس الأمر، فصار تنافسهم في الدنيا الدنية وحظوظها الفانية.
قال الحسن: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدّنيا فنافسه في الآخرة. وقال وهيب بن الورد: إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل. وقال بعض السّلف: لو أنّ رجلا سمع بأحد أطوع لله منه، كان ينبغي له أن يحزنه ذلك.
وقال غيره: لو أنّ رجلا سمع برجل أطوع لله منه فانصدع قلبه فمات، لم يكن ذلك بعجب. قال رجل لمالك بن دينار: رأيت في المنام مناديا ينادي: أيّها الناس، الرّحيل الرحيل، فما رأيت أحدا يرتحل إلاّ محمد بن واسع؛ فصاح