للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويختم القرآن في كلّ ليلة ولا ينام مع أهله، فأمره أن يصوم ويفطر، ويقرأ القرآن في كلّ سبع. وقال له: «إنّ لنفسك عليك حقّا، وإنّ لأهلك عليك حقّا، فآت كلّ ذي حقّ حقّه» (١).

ولمّا بلغه عن بعض أصحابه أنه قال: أنا أصوم ولا أفطر، وقال آخر منهم:

أنا أقوم ولا أنام، وقال آخر منهم: لا أتزوّج النّساء. فخطب، وقال: «ما بال رجال يقولون كذا وكذا، لكنّي أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللّحم، وأتزوّج النساء؛ فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» (٢).

وسبب هذا أنّ الله تعالى خلق ابن آدم محتاجا إلى ما يقوم به بدنه؛ من مأكل ومشرب ومنكح وملبس، وأباح له من ذلك كلّه ما هو طيّب حلال، تقوى به النفس ويصحّ به الجسد، ويتعاونان على طاعة الله عزّ وجلّ، وحرّم من ذلك ما هو ضارّ خبيث يوجب للنفس طغيانها وعماها وقسوتها وغفلتها وأشرها وبطرها، فمن أطاع نفسه في تناول ما تشتهيه ممّا حرّمه الله عليه، فقد تعدّى وطغى وظلم نفسه، ومن منعها حقّها من المباح حتى تضرّرت بذلك، فقد ظلمها ومنعها حقّها؛ فإن كان ذلك سببا لضعفها وعجزها عن أداء شيء من فرائض الله عليه، ومن حقوق الله عزّ وجلّ أو حقوق عباده، كان بذلك عاصيا، وإن كان ذلك سببا للعجز عن نوافل هي أفضل ممّا فعله، كان بذاك مفرطا مغبونا خاسرا.

وقد كان رجل في زمن التابعين يصوم ويواصل حتى يعجز عن القيام؛ فكان يصلّي الفرض جالسا، فأنكروا ذلك عليه، حتى قال عمرو بن ميمون: لو أدرك


(١) أخرجه: أحمد (١٩٨، ٢/ ١٨٨)، والبخاري (٨/ ٣٨، ٧/ ٤٠، ٣/ ٥١) (١٩٧٤) (٥١٩٩) (٦١٣٤)، ومسلم (١٦٣، ٣/ ١٦٢) (١١٥٩)، والنسائي (٤/ ٢١٠)، وأبو داود (١٣٨٨) بمعناه.
(٢) أخرجه: البخاري (٧/ ٢) (٥٠٦٣)، ومسلم (٤/ ١٢٩) (١٤٠١)، والنسائي (٦/ ٦٠).

<<  <   >  >>