للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم لرجموه. وكان ابن مسعود يقلّ الصّيام، ويقول: إنّه يضعفني عن قراءة القرآن، وقراءة القرآن أحبّ إليّ.

وأحرم رجل من الكوفة، فقدم مكّة وقد أصابه الجهد، فرآه عمر بن الخطاب وهو سيئ الهيئة، فأخذ عمر بيده وجعل يدور به الحلق، ويقول للناس: انظروا إلى ما يصنع هذا بنفسه وقد وسّع الله عليه!

فمن تكلّف من التطوّع ما يتضرّر به في جسمه، كما فعل هذا الباهليّ، أو منع به حقّا واجبا عليه، كما فعل عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره ممن عزم على ترك المباحات في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنّه ينهى عن ذلك. ومن احتمل بدنه ذلك ولم يمنعه من حقّ واجب عليه لم ينه عن ذلك إلاّ أن يمنعه عمّا هو أفضل من ذلك من النوافل؛ فإنّه يرشد إلى عمل الأفضل. وأحوال الناس تختلف فيما تحمّل أبدانهم من العمل.

كان سفيان الثوري يصوم ثلاثة أيام من الشهر فيرى أثر ذلك عليه، وكان غيره في زمنه يصوم الدّهر فلا يظهر عليه أثره. وكان كثير من المتقدّمين يحملون على أنفسهم من الأعمال ما يضرّ بأجسادهم ويحتسبون أجر ذلك عند الله، وهؤلاء قوم أهل صدق وجدّ واجتهاد فيحيّون على ذلك، ولكن لا يقتدى بهم، وإنّما يقتدى بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنّ خير الهدي هديه، ومن أطاعه فقد اهتدى، ومن اقتدى به وسلك وراءه وصل إلى الله عزّ وجلّ.

وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن التعسير ويأمر بالتيسير، ودينه الذي بعث به يسر. وكان يقول: «خير دينكم أيسره». ورأى رجلا يكثر الصّلاة، فقال:

«إنّكم أمّة أريد بكم اليسر». ولم يكن أكثر تطوّع النبي صلّى الله عليه وسلّم وخواصّ أصحابه بكثرة الصّوم والصّلاة، بل ببرّ القلوب وطهارتها وسلامتها وقوّة

<<  <   >  >>