المعنى يوجد في العيدين وأيام التشريق أيضا؛ فإنّ الناس كلّهم فيها في ضيافة الله عزّ وجلّ، لا سيما عيد النّحر؛ فإنّ الناس يأكلون من لحوم نسكهم؛ أهل الموقف وغيرهم.
وأيام التشريق الثلاثة هي أيام عيد أيضا، ولهذا بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم من ينادي بمكّة:«إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجلّ، فلا يصومنّ أحد». وقد يجتمع في يوم واحد عيدان، كما إذا اجتمع يوم الجمعة مع يوم عرفة أو يوم النّحر، فيزداد ذلك اليوم حرمة وفضلا؛ لاجتماع عيدين فيه. وقد كان ذلك؛ اجتمع للنبي صلّى الله عليه وسلّم في حجته يوم عرفة، فكان يوم جمعة، وفيه نزلت هذه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}[المائدة: ٣].
وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل من وجوه:
منها: أنّ المسلمين لم يكونوا حجّوا حجّة الإسلام بعد فرض الحجّ قبل ذلك، ولا أحد منهم؛ هذا قول أكثر العلماء أو كثير منهم؛ فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلّها.
ومنها: أنّ الله تعالى أعاد الحجّ على قواعد إبراهيم عليه السّلام، ونفى الشرك وأهله، فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد. قال الشعبي:
نزلت هذه الآية على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو واقف بعرفة حين وقف موقف إبراهيم، واضمحلّ الشّرك، وهدّمت منار الجاهلية، ولم يطف بالبيت عريان. وكذا قال قتادة وغيره. وقد قيل: إنه لم ينزل بعدها تحليل ولا تحريم؛ قاله أبو بكر بن عياش.
وأمّا إتمام النّعمة فإنّما حصل بالمغفرة، فلا تتم النّعمة بدونها، كما قال لنبيه صلّى الله عليه وسلّم:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً}